قرى قوم لوط عليه السلام
حدثنا الله تعالى في القرآن الكريم عن نبيه لوط، وهو ابن أخي إبراهيم عليهما السلام، هاجرا من العراق إلى الشام فرارا بدينهما، وسكن لوط في قرية، وتزوج وانجب بناتا، وحدثنا الله في غير موضع من كتابه، ليدلنا على أهمية الأمر وخطورته، عن القرية التي سكنها، فيذكر القرآنُ مدى شناعة الفاحشة التي كانت عليها تلك القرية وأنّ نبيهم لوطاً عليه الصلاة والسلام قد حذرهم عاقبة هذا الفعل “وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ” القمر (36) وأنهم قد سبقوا البشرية كلها باستحداث هذه الجريمة الأخلاقية وقال تعالى: ” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)العنكبوت، فهم يقطعون السبيل، ويجاهرون في المعاصي، ويمارسون الشذوذ ويعتادونه، حتى أصبحوا يستهجنون غيره، “وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ” الأعراف (82)، ثم حدثنا الله عن العذاب الشديد الذي سلطه عليهم، بدءاً من ضيوف إبراهيم عليه السلام، “وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)العنكبوت، ولما جاؤوه على صورة شبان، سارع إليهم قومه ليفعلوا بهم الفاحشة، “وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)هود، وفي الصباح كان العذاب الأليم الذي استمرأ به هؤلاء القوم الفاسقين، وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العذاب وهي بحسب وصف القرآن أربعة أصناف:
1- الطمس: “ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم” القمر (37).
2- الصيحة: “فَأَخَذَتهُمُ ٱلصَّيحَةُ مُشرِقِينَ” الحجر (73).
3- الخسف أو القلب: “فَلَمَّا جَاۤءَ أَمرُنَا جَعَلنَا عَـٰلِيهَا سَافِلَهَا” هود (82)، “وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى” النجم (53).
4- مطر حجارة من طين ومن سجّيل: “وَأَمطَرنَا عَلَيهَا حِجَارَة مِّن سِجِّيل مَّنضُود” هود (82)، “لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَة مِّن طِين” الذاريات (33).
وحدد القرآن الكريم مكان القرى المدمرة وأنها موجودة على الطريق الذي كان تسلكه قوافل قريش إلى بيت المقدس وقد شاهدوا بأنفسهم بعض آثار هذا الدمار وذلك في قوله تعالى “وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ” الحجر (76)، “وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” العنكبوت (35)، “وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ(137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) الصافات. فهي على طريق الإيلاف القرشي المار بغور الأردن.
وقد تمت اكتشافات متتالية في حوض البحر الميت في الأردن وعلى مدى سنوات طويلة، حيث اكتشفت مدن كاملة بائدة منذ العصر البرونزي. وصدر بحث حديث في (Scientifc Reports : (2021) 11:18632 ) وهي مجلة علمية مرموقة، لدراسة استمرت 15 عاما في منطقة تل الحمام شمال شرق البحر الميت حيث أعلن الفريق البحثي عن توصله إلى السبب الذي أدى للانهيار المفاجئ للمدن القديمة التي وقعت في منطقة تل الحمام في العصر البرونزي المتوسط أي قبل حوالي 3600 سنة، وكشفت أعمال التنقيب في المرحلة الأخيرة من طبقة العصر البرونزي المتوسط عن مواد غير عادية للغاية مثل: شظايا فخارية ذات أسطح خارجية مذابة تحولت إلى زجاج، وبعضها يحوي فقاعات كما لو أنه كان يغلي!! وشظايا من الطوب واللبن المذابة و “الفقاعية”؛ أسقف طينية ذائبة جزئيًا (مع تعرجات فيها)، ومواد بناء ذائبة! هذه وغيرها تشير إلى أن تدمير المدينة كان مرتبطًا بارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة لم تكن التكنولوجيا في ذلك الوقت قادرة على إنتاجها. وأظهرت الأبحاث الاركيولوجية أيضاً في الطبقة المدمرة والتي كانت بسماكة 1,5 متراً -خصائص نادرة غير موجودة في الطبقات الموجودة فوقها أو تحتها. حيث تم خلط شظايا من آلاف الأواني الفخارية المختلفة بشكل عشوائي وتوزيعها على عمق الطبقة جنبًا إلى جنب مع شظايا من الطوب، وأشياء من الحياة اليومية، وقطع متفحمة من العوارض الخشبية، وحبوب متفحمة، وعظام، وأحجار كلسية محترقة لتتماسك مثل الطباشير.
باستخدام هذه البيانات، قدّر الباحثون أنَ نيزكاً سقط من السماء وانفجر أعلى المنطقة ودمرها تماماً بشكل كارثي.وهذا الانفجار شبيه بما حدث في منطقة تونغوسكا (شرقي سهول سيبيريا) عام 1908، وقدّر السبب أن نيزكاً قد ” احتك ” بالغلاف الجوي بسرعة نحو 20كم/ث وسبب ذلك انفجاراً هائلاً بقوة تصل أو تفوق 20 مليون طن من المتفجرات وهو ما يعادل قنبلة هيروشيما النووية ب 1000 ضعف تقريباً.
وبحسب الدراسة، فإن دليلا آخر يؤكد أن ما حدث في تل الحمام هو انفجار بسبب نيزك سقط على الأرض، حيث لاحظ الفريق وجود “الكوارتز المصدوم في المكان نفسه، حيث تُعد حبيبات الكوارتز ذات الخصائص المتحولة نتيجة الصدمات العنيفة، دليلاً قوياً على حدوث الصدمات فائقة السرعة بين الأجسام الخارجية مع سطح الأرض، ويعد الكوارتز المصدوم من أقوى الأدلة المقبولة علمياً لدى الجيولوجيين على حصول التصادمات العنيفة حيث أنها لا تتشكل إلا بفعل ضغط هائل جداً قدرته الدراسة بما يعادل 50 ألف ضعف للضغط الجوي العادي أو صدمة بوزن 50 ألف طن للمتر المربع الواحد!! وهو ما لا يمكن إنتاجه قطعاً بالتكنولوجيا المكتشفة في تلك الحقبة.ومن ناحية أخرى فإن درجات الحرارة القصوى التي كان يمكن تحقيقها أثناء صناعة الفخار في العصر البروني المتوسط أقل من 1050 درجة مئوية، مما يجعل هذا النشاط غير قادر على صهر الفخار والطوب (والذي يحتاج 1400 درجة مئوية فأكثر). أيضًا لا يمكن لهذا النشاط إذابة حبيبات الزركون والكوارتز والكروميت (الذي يحتاج أعلى من 1500 درجة مئوية).
حاولت الدراسة وضع عدة افتراضات لتفسير ما حصل في منطقة تل الحمام، وقد طرحت عدة سيناريوهات وقامت باستبعاد الفرضيات غير المدعمة بالأدلة الكافية (حصول حرائق هائلة، زلازل عنيفة، بركان قوي، صواعق ..) وخلصت الدراسة إلى أن نيزكاً صخرياً متفجراً بقطر60-75 متراً قد انفجر في الهواء بارتفاع حوالي (7,4) كم فوق المدينة كان السبب في تدمير مدينة تل الحمام (قرى سدوم المزعومة) منتجاً حرارة عالية (فوق 2400 درجة) وطاقة تدميرية هائلة تفوق انفجار تونغوسكا، وتشكلت على إثرها عاصفة رياح مدمرة وصلت سرعتها لـــ 917 كم/س ونتيجة لاصطدام أجزاء من النيزك بالأرض تشكلت حبيبات الكوارتز المصدوم.
وبناء على دراستهم فإن تل الحمام والتي كانت أكثر من مجرد مدينة، بل كانت تشكل النواة الحضارية لمدنية ازدهرت دون توقف لما يقرب من 3000 عام خلال العصر الحجري النحاسي والبداية من العصر البرونزي (والذي بدأ 4700 قبل الميلاد) حتى تم تدميرها في 1650 قبل الميلاد تقريبًا. والمثير للدهشة أن المدينة والتي كانت –في أوج ازدهارها- أكبر المدن الثلاث في المنطقة (تل الحمام وتل نمرين وتل السلطان على الضفة الغربية) وبلغت ذروة السيطرة والهيمنة السياسية على المنطقة توقفت فجأةً واختفى الوجود السكاني لها في نهاية العصر البرونزي الثاني! وحدثت ” فجوة زمنية مبهمة” لمدة ما يقارب 600 عام! لأنها لم تعد صالحة للحياة.
هل هذه هي قرى لوط، لا أحد يستطيع الجزم، حتى أصحاب البحث أنفسهم، وبغض النظر عن السبب الذي وضعوه لما حدث، فإن هذه القرى قد تعرضت لصيحة هائلة (صوت الانفجار) ورجم من السماء بحجارة النيزك، وحرائق ورياح عاتية وضغط هائل تسبب بانهيار المباني وانقلابها. وخلصت الدراسة لإمكانية حدوث هذه الفاجعة مرة أخرى، كون الأرض محاطة بآلاف النيازك، والتي يمكن أن يضرب أي منها الأرض بهذه الطريقة مرة أخرى، آخر مرة كان عام 1908م، ونقول كذلك بغض النظر عن كيفية التدمير لهذه المدينة، فإن تدميرها قد حصل بطريقة مشابهة لتدمير قرى لوط، وإذا انتشر بين الناس الشذوذ والانحراف الذي كان عليه أهل هذه القرية، فإن الله قادر أن يعيد الكرة عليهم، وما ذلك على الله بعزيز، ولن ينجو منها إلا من أنكر بقلبه وقوله لهذه الأفعال الشنيعة، وأما من تسامح معها أو تعايش، مثل زوجة لوط، فنخشى أن يكون مصيره تعيساً مثل مصائرهم.