Uncategorized

مقامرة نتنياهو

ترجمة مقالة راجان مينون في موقع (The New Statesman) وهو أستاذ فخري في العلاقات الدولية بكلية مدينة نيويورك، وباحث أول في معهد سالتزمان لدراسات الحرب والسلام، والتي يلخصها بقوله: “كانت الضربة التي شنها رئيس الوزراء الإسرائيلي على إيران جريئة ولكنها محفوفة بالمخاطر أيضًا، عسكريًا وسياسيًا”. وهو يطرح تساؤلات أكثر مما يعطي من إجابات كون الغموض يلف معظم التفاصيل.

الهجمات الإسرائيلية على إيران، التي بدأت في وقت مبكر من صباح الجمعة واستهدفت تدمير منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، لم تكن مفاجئة. فقد كان المسؤولون الأمريكيون يتوقعونها علنًا في الأيام الأخيرة، وبدأ نقل الدبلوماسيين الأمريكيين من دول قريبة من إيران، ولا سيما العراق. السؤال الوحيد، الذي أُجيب عنه الآن، كان: متى تحديدًا سيقرر بنيامين نتنياهو شن الهجوم.

في النهاية، كانت ضربة رئيس الوزراء الإسرائيلي جريئة كما هي عادته، لكنها أيضًا محفوفة بالمخاطر عسكريًا وسياسيًا. تمتلك إيران ترسانة ضخمة من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يمكن أن ترد بها. ورغم الضربات التي استهدفت قواعدها الصاروخية، تمكنت إيران من إطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل في وقت متأخر من يوم الجمعة ردًا على ذلك. ونتنياهو يخوض حربًا شاملة في غزة لم تحقق بعد الهدف الذي يسعى إليه: تدمير حماس وعودة جميع الرهائن الإسرائيليين. يضاف إلى ذلك الهجمات الإسرائيلية المتقطعة على سوريا ولبنان واليمن، والصواريخ التي لا تتوقف من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. كما أن نتنياهو خاطر سياسيًا بشكل كبير بشن هجوم على إيران رغم معرفته بمعارضة دونالد ترامب لذلك، واستمرار مفاوضاته مع طهران للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم — وهي محادثات يعارضها نتنياهو منذ البداية. (يبقى غير واضح ما إذا كان ترامب سيقبل في النهاية بترتيب تخصيب محدود كجزء من اتفاق إقليمي، رغم إصراره على وقف التخصيب تمامًا). في الواقع، قيل إن الرئيس الأمريكي أخبر نتنياهو صراحة أن إسرائيل ستكون بمفردها إذا قررت ضرب إيران. ومع ذلك، مضى نتنياهو قدمًا ونفذ الهجوم.

قد يُظن أن نتنياهو في ظل هذه الظروف كان من غير الحكمة أن يهاجم إيران، الخصم الأقوى بكثير من أي عدو آخر يواجه إسرائيل. لكن، مرة أخرى، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يفتقر يومًا إلى الجرأة. التفسير الأقرب للمنطق لقراره هو أنه شعر بأنه، رغم العقبات، قد يتمكن الأمريكيون والإيرانيون من تجاوز خلافاتهم بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم والتوصل إلى اتفاق. سواء كان ذلك في محله أم لا، فإن نتنياهو، رغم تعهدات آية الله خامنئي بعدم بناء أسلحة نووية، لا يزال مقتنعًا بأن ظهور إيران مسلحة نوويًا هو مسألة وقت فقط، لا احتمال. وقد عقد العزم على منع هذا السيناريو، مؤمنًا بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي الخيار العسكري. وإذا كانت هذه هي حساباته فعلًا، فإن التوصل إلى اتفاق أمريكي-إيراني — وهو ما يبدو أن ترامب لا يزال يسعى إليه — كان سيقوّض هدفه طويل الأمد بتدمير البرنامج النووي الإيراني، بل وربما إسقاط النظام الإيراني، الذي يعتبره التهديد الأول لأمن إسرائيل.

خاطر نتنياهو سياسيًا أيضًا بتحدي ترامب، مما قد يثير استياءه. وهذا مهم لأن حسن النية الأمريكية لا تزال أمرًا حيويًا لإسرائيل. فلا توجد دولة تقترب من حجم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة؛ إذ تجاوز الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي لإسرائيل منذ عام 1948 أكثر من 300 مليار دولار. كان نتنياهو يفضل أن يكون الهجوم على إيران عملية مشتركة، مدعومة بالقوة العسكرية والاستخباراتية الهائلة للولايات المتحدة. مثل هذا الهجوم المشترك كان من الممكن أن يزيد، ولو بشكل ضئيل، من فرص تدمير البنية التحتية لتخصيب اليورانيوم في إيران، التي يقع جزء كبير منها في عمق الأرض. وفي هذا السيناريو، كانت إسرائيل، التي أصبحت اليوم أكثر عزلة سياسيًا من أي وقت مضى بسبب المجازر والمجاعات التي تسببت بها في غزة، ستحظى بغطاء سياسي من واشنطن.

يبدو أن نتنياهو راهن على أن ترامب، في مواجهة رد إيران، سيواجه ضغوطًا هائلة، بل ولا تُقاوم، من حلفاء إسرائيل النافذين داخل الولايات المتحدة كي لا يترك إسرائيل دون حماية. وهذه الضغوط بدأت بالفعل. وبهذا، وضع نتنياهو ترامب في موقف حرج، وعرّض أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران للخطر.

ورغم ذلك، قد تنجح مقامرة رئيس الوزراء. فحتى الآن، يبدو أن ترامب، الذي لا يحب أن يُسرق الأضواء منه، قد وضع جانبا انزعاجه المحتمل من نتنياهو، وبدلاً من ذلك اختار أن يُحذر إيران من أنه يجب عليها قبول اتفاق نووي بشروطه إذا كانت ترغب في تجنب المزيد من العقاب. إلا أن الرئيس يُخطئ في الحسابات؛ فإيران لن توافق على تفكيك منشآت تخصيب اليورانيوم بالكامل، وقد أعلنت ذلك مرارًا، بما في ذلك خلال المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة.

كان من الواضح أن الضربة الإسرائيلية قد جرى التخطيط لها منذ أشهر على الأقل، حيث قُتل خلالها عدد من كبار القادة الإيرانيين خلال ساعات. ومن بينهم حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، وعدد من الجنرالات الكبار، بالإضافة إلى علي شمخاني، مستشار السياسة الخارجية الأعلى للمرشد علي خامنئي، وأحد أبرز الشخصيات في أجهزة الأمن القومي الإيراني. كما قُتل في الضربات ما لا يقل عن ستة علماء نوويين بارزين، من ضمنهم فريدون عباسي، محمد مهدي طهرانجي، وسيد أمير حسين فقيهي.

هذه القائمة، بطبيعة الحال، غير مكتملة؛ فثمة شخصيات إيرانية بارزة أخرى لا شك أنها لا تزال على قائمة أهداف إسرائيل. من الواضح أن لدى إسرائيل عملية استخباراتية طويلة الأمد ومنظمة بشكل جيد داخل إيران، وصلت على الأرجح إلى أعلى مستويات النظام. وبمجرد انتهاء هذه الحملة، ستبدأ حملة تطهير داخلية في إيران لاكتشاف جذور هذا الفشل الاستخباراتي الهائل والمحرج.

خصوصًا في ضوء هذه الخسائر، ومن منطلق الكبرياء الوطني، كان من المؤكد أن إيران سترد. أولًا كانت هناك هجمات بطائرات مسيّرة، تصدت لها إسرائيل؛ ثم ضربات بصواريخ باليستية في وقت لاحق من يوم الجمعة، أصابت بعضها تل أبيب، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين. ولا يجب أن نستبعد إعلان إيران انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مما يضعها علنًا على مسار إنتاج أسلحة نووية — وهو بالضبط ما سعى نتنياهو إلى منعه بهذا الهجوم. لكن إيران تواجه قرارًا صعبًا: هل تتخلى عن المفاوضات مع واشنطن وترد على إسرائيل بقوة كاملة، أم ترد بشكل محسوب يسمح باستمرار المحادثات، على أمل التوصل إلى اتفاق يمنحها قدرة تخصيب محدودة ويرفع جزءًا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية الخانقة؟ الضرب بقوة — خصوصًا إذا استهدف أصولًا أمريكية في المنطقة — سيزيد من احتمال تدخل ترامب عسكريًا دفاعًا عن إسرائيل، مما سيزيد من سوء الوضع العسكري لإيران.

وعلى صعيد آخر، نجح نتنياهو، الذي نجا للتو من تصويت بسحب الثقة في الكنيست، في إسكات منتقديه، على الأقل مؤقتًا. فمهاجمة رئيس الوزراء في وقت الحرب مع إيران — العدو اللدود — لن تكون في صالح خصومه السياسيين؛ فالإسرائيليون، حتى أولئك الذين لا يحبون نتنياهو، سيتوحدون خلف العلم في خضم حرب جديدة. إن نجاح هذه الاستراتيجية الجريئة على المدى الطويل سيتوقف على مدى الضرر الذي ستتكبده إسرائيل، ليس فقط عسكريًا بل سياسيًا، وخصوصًا فيما يتعلق بعلاقتها مع الولايات المتحدة.

وإذا جُر ترامب إلى هذه الحرب، فلن ينسى، فضلاً عن أن يغفر، ما فعله نتنياهو. فالرئيس معروف بحقده الدفين، ولم يكن يومًا مرتاحًا لنتنياهو، ربما ساخرًا لأن كلاهما يتشاركان صفات شخصية متشابهة، خصوصًا الغرور. ومع ذلك، من غير المرجح أن تقطع الولايات المتحدة علاقاتها مع إسرائيل، ونتنياهو يعلم ذلك. فمهما كان الضرر الذي سيلحق بالعلاقة، سيبقى مؤقتًا ومحدودًا، رغم المزاج المتقلب لترامب. كما لا يمكن استبعاد احتمال أن ترامب وافق منذ البداية، ولو ضمنيًا، على قرار نتنياهو بضرب إيران. قد يكون الرئيس الأمريكي حسب أن الهجوم الإسرائيلي سيضع ضغطًا على إيران ويدفعها إلى قبول اتفاق “صفر تخصيب”، يستطيع هو أن ينسب الفضل فيه لنفسه — دون أن يُتهم بالتواطؤ مع إسرائيل أو الاضطرار للمشاركة في الحرب.

لكن في أماكن أخرى، سيُدان الهجوم الإسرائيلي على إيران — وهو إدانة مستحقة. لقد شنّ نتنياهو حربًا باختياره، لا بدافع الضرورة، ضد دولة، رغم كونها خصمًا رئيسيًا، لم تكن تتخذ أي خطوات تشير — ولو من بعيد — إلى أنها كانت تستعد لمهاجمة إسرائيل. وفي هذا السياق، لن يجد دفاع نتنياهو بأن إسرائيل لم يكن لديها خيار سوى تنفيذ “ضربة استباقية” — أي رد استباقي على استعدادات العدو الواضحة لخوض الحرب — قبولًا دوليًا، بما في ذلك في أوروبا، لا سيما بالنظر إلى الخسائر البشرية المستمرة للحرب الإسرائيلية في غزة. وهذا ما يجعل تحديه لترامب أكثر خطورة. ما يزال من غير الواضح كيف سيتعامل ترامب مع اندفاع إسرائيل نحو الحرب رغم معارضته.

حتى الآن، يمكن قول شيء واحد على وجه اليقين بشأن هذه الحرب الجديدة في الشرق الأوسط: لا شيء مؤكد. على المراقبين والمحللين أن يتجنبوا التنبؤات القاطعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى