حجية العمل بقول الصحابة
أثنى الله تعالى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه ورضي عنهم، وكذا مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم في مرات عديدة، وهم من نقل القرآن والسنة للأمة، وحكوا حال النبي مع النصوص وفهمه لها، وتحدثوا عن أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وأنشؤوا مدارس فقهية في طول العالم الإسلامي وعرضه.
وفي هذه المقالة نعرض لتعريف الصحابة وفضلهم وحجية أقوالهم والخلاف فيه. مع أهمية بيان أن حجية قول الصحابة كان محل اتفاق جمهور الفقهاء والأصوليين، واعتنوا بتدوينها وتتبعها في المسانيد وكتب السنن والفقه، ولكن عندما ظهر أناس من الناس عجزوا عن اخفاء النصوص الشرعية أو تحريفها، لحفظ الله لها، وقيام العلماء بحفظها ونقلها وشرحها على مر العصور، لجأ هؤلاء الفئام لتحريف المعنى وتأويله، ولما لم يجدوا آية أو حديثا _ إلا ما ندر _ إلا ولأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه تفسير أو رأي، لجؤوا للطعن بأقوال الصحابة تارة من حيث عدم ثبوتها، وتارة في الطعن في أفهامهم، وأخيرا بطرحها كلية، كونهم رجال ونحن رجال، وتحن غير ملزمين بغير فهمنا الخاص للنصوص، وليتهم إذ حاولوا تفسير النصوص اعتمدوا منهجا لغويا أو أصوليا صحيحا.
تعريف الصحابي:
لغةً: مشتقة من الصحبة التي هي مطلق المرافقة، وهي مصدر صحب يصحب بمعنى لازم ملازمة ورافق مرافقة وعاشر معاشرة.
وفي الاصطلاح عند المحدثين: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام، ولو تخلل ذلك ردة. قال البخاري رحمه الله تعالى في تعريفه: بأنه من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين. وقال الإمام أحمد رحمه الله في تعريفه للصحابي: بأنه كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه، له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه. والملاحظ اتفاقهم تعريفهم للصحابي، وعلى هذا جرى جل أئمة الحديث من بعدهم وبعض الأصوليين ( انظر تعريف الصحابي عند المحدثين في الباعث الحثيث ونزهة النظر وتدريب الراوي …)
بل حكى أبو الحسن الأشعري إجماع السلف على ذلك حيث قال في كتابه (رسالة إلى أهل الثغر): ” الإجماع السابع والأربعون: وأجمعوا على أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسابقة، وعلى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك “.
قال ابن حجر: (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه ومن لم يروِ عنه، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى…) (أسد الغابة/2/317-318)
أما الصحابي عند الأصوليين: فهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ولازمه زمنًا طويلًا.
وذهب جمهور الأصوليين من معتزلة ومتكلمين وفقهاء إلى اشتراط طول الصحبة، وكثرة اللقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل التبع له، والأخذ منه، ولهذا قالوا: إن الرجل لا يوصف ولو أطال مجالسة العالم بأنه من أصحابه إذا لم يكن على طريق التبع والأخذ عنه ( التمهيد أبي الخطاب (3/ 172) ، والإحكام للآمدي (2/82) وإرشاد الفحول (62) وتيسير التحرير (3/66).
والسبب في هذا الخلاف، هو مأخذ كل فريق منهم، فالمحدثون يريدون اثبات اللقيا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ليحكموا على الحديث بالرفع والاتصال، أما الأصوليون فيريدون الفقه والاستنباط والفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن الصحابة يتفاوتون بينهم في الصحبة والفضل، قال تعالى:(لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وعند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: (دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهباً أو مثل الجبال ذهباً لما بلغتم أعمالهم)، وهم يتفاوتون كذلك بعلمهم وفهمهم، روى ابن سعد في (الطبقات) عن مسروق قال: لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ.فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ.
أما شرف الصحبة، فهذا من فضل الله عليهم، دون سواهم، روى مسلم في صحيحه: من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان. يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: هل فيكم من رأي من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوي 20/298): وحديث أبي سعيد هذا يدل على شيئين: على أن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: هو من رآه مؤمناً به وإن قلت صحبته، كما قد نص على ذلك الأئمة أحمد وغيره، وقال مالك: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمنا به فهو من أصحابه، له من الصحبة بقدر ذلك. وذلك أن لفظ الصحبة جنس تحته أنواع، يقال: صحبه شهراً، أو ساعة. وقد تبين في هذا الحديث أن حكم الصحبة يتعلق بمن رآه مؤمناً به؛ فإنه لا بد من هذا.
ولا بد أن نشير هنا أن الصحابة الذين نقلوا القرآن والسنة، ولهم فتاوى وأقوال _ والتي نناقش في هذا البحث حجيتها _ هم المكثرون الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم لفترات طويلة، وأخذوا عنه العلم والفهم، وأما من لقيه ساعة أو رآه من بعيد فأغلبهم لم يرو عنه شيء، وإن روى فقصة لقياه للنبي أو وصفه أو الحال التي كان عليها.
فضل الصحابة من القرآن الكريم:
ورد الكثير من آيات القرآن في بيان فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]،
وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [التوبة:20]،
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:74]،
وقال تعالى: (محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح:29]،
وقال تعالى: ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]،
وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)) [الحجرات:7,8]،
وقال تعالى: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:117]
فضل الصحابة من السنة:
وكذلك ورد الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الصحابة عموما، منها:
- الحديث المتفق عليه عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيركم قرني ثم الّذين يلونهم ثم الّذين يلونهم)-قال عمران: فما أدري قال النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثًا- (ثم كان بعدهم قوم يشهدون ولا يُسْتَشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويَنْذِرون ولا يوفون ويظهر فيهم السِّمَن)…
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: (قرني ثم الّذين يلونهم ثم الّذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تَسْبِقُ شهادَةُ أحدِهم يمينَهُ ويمينُهُ شهادَتَه)…
- وفي رواية الصحيحين: (خير الناس قرني ثم الّذين يلونهم ثم الّذين يلونهم)…
- وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَ أحدهم ولا نصيفه) [البخاري: 3673 مسلم: 2541]
- وعن عويم بن ساعدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله تبارك وتعالى اختارني واختار لي أصحابي، وجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل) رواه الحاكم في المستدرك ( 3/632) وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
حكم سب الصحابة:
يقول الطحاوي في عقيدته المشهورة: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)…
واختلف العلماء فيمن سب الصحابة رضي الله عنهم، هل يكفر بذلك؟
يقول الإمام السبكي رحمه الله في فتاويه: (إن سب الجميع بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سب واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفر الساب…) إلى أن قال: ( ولا شك أنه لو أبغض واحدًا منهما –أي الشيخين أبي بكر وعمر- لأجل صحبته فهو كُفْر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا…)
ويقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضيعة عشر نفسًا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لاريبَ في كفره.. لإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين ).
ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد كفر لإنه مكذب للقرآن.
نقل القاضي عياض في كتاب الشفا عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: من سب عائشة قتل. قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن –كذّب القرآن- … وقد أجمع المسلمون على ما قاله الإمام مالك، نقل الإجماع غير واحد من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وغيرهما… أما الإمام أحمد فيرى أن يضرب ضربًا نكالًا، قال وأجبن عن قتله…
وبعضهم من يفرق بين سب الصحابة بسبب درجاتهم. قال أبو العباس أحمد بن يعقوب الاصطخري: فيمن يطعن في الصحابة أو يذكر شيئًا من مساويهم: فمن فعل ذلك وجب على السلطان تأديبه وعقوبته… ليس له أن يعفو عنه… بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة، وخلّده الحبس حتى يموت أو يرجع.
وقال اسحاق بن راهويه: من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب ويحبس وهذا قول كثير من أصحابنا…
وقد تيقظ السلف الصالح رضوان الله عليهم لخطورة الطعن في الصحابة وسبهم، وحذروا من الطاعنين ومقاصدهم؛ وذلك لعلمهم بما قد يؤدي إليه ذلك السب من لوازم باطلة تناقض أصول الدين، فقال بعضهم كلمات قليلة، لكنها جامعة …
قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء – الذين يسبون الصحابة: (إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه؛ حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين)
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام) .
وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة)
حجية قول الصحابي:
يقسم العلماء مصادر التشريع إلى قسمين:
متفق عليها؛ وهي القرآن، السنة، الإجماع، والقياس.
مختلف فيها؛ مثل قول الصحابي، الاستحسان، المصالح المرسلة، سد الذرائع، الاستصحاب، إجماع/عمل أهل المدينة، العرف، وشرع من قبلنا.
ولا بد أن نشير هنا إلى أهمية أقوال الصحابة وفتاويهم وسبب اعتناء العلماء بها:
- فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنتهم، فقال: (عليكم بسنتي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِييْنَ مِنْ بَعْدِي ، تَمَسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ ،وإيَّاكُم ومُحْدَثَاتِ الأمورِ؛ فإِنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) رواه أحمد وأبوداود.
- والصحابة شهدوا التنزيل وعرفوا أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن معاني القرآن وتأويله.
- وهم طبقوا القرآن والسنة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما فهموا وعملوا من الشرع، ولم يكن يسكت عليه السلام على خطأ.
- وهم أعلم الناس بلغة العرب ولغة القرآن والسنة، وعليهم تنزلت الآيات ووردت الأحاديث.
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ) رواه أحمد. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم، والله رب الكعبة) رواه أبونعيم في الحلية.
- وإنما نشأت المدارس الفقهية وتوسعت بعد ذلك في مجالس الصحابة في مكة والمدينة والبصرة والكوفة وغيرها.
من المستحسن قبل الشروع في ذكر الخلاف في حجية قول الصحابي، وتحرير موطن النزاع فيه أن نبين ما المراد بقول الصحابي.
إن المراد بقول الصحابي: هو ما ثبت عن أحد من الصحابة – ولم تكن فيه مخالفة صريحة لدليل شرعي – من رأي أو فتوى أو فعل أو عمل اجتهادي في أمر من أمور الدين . وتسمى هذه المسألة عند الأصوليين بأسماء منها: قول الصحابي أو فتواه أو تقليد الصحابي أو مذهب الصحابي.
ذهب الشاطبي رحمه الله ( الموافقات 4/7،4) إلى أن السنة تطلق على ما عمل عليه الصحابي، وجد ذلك في الكتاب أوالسنة أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضاً إلى حقيقة الإجماع.
وبناء على ما سبق فإن الصحابي إذا قال قولاً :
- فلا يخلو من أن يشتهر قوله ويوافقه سائر الصحابة على ذلك،
- أو يخالفوه،
- أو لا يشتهر أو لا يعلم اشتهر أم لم يشتهر.
فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابه فهو إجماع. وإن اشتهر فخالفوه فالحجة مع من سعد بالدليل . وحينئذ الحجة فيه لا في كونه قول صحابي، وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أم لا؟ فهذا هو موطن النزاع. والذي عليه العلماء السابقون والأئمة المتبوعون أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى – وجمهور أصحابهم أنه حجة.
قال أبو حنيفة رحمه الله ( ذكره الصيمري في كتابه أخبار أبي حنيفة وأصحابه 10 ): ( إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب.. فلي أن أجتهد كما اجتهدوا).
وعن أبي يوسف قال: ( سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن الصحابة لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم ).
وأما الإمام مالك رحمه الله: فتصرفه في ” موطئه ” دليل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة ( نص على ذلك ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين (4/120).
قال الشاطبي رحمه الله في المواقفات: ( ولما بالغ مالك في هذا المعنى – أي اتخاذ الصحابة قدوة وسيرتهم قبلة – بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة).
احتجاج الشافعي بقول الصحابي:
الشافعي من الذين احتجوا بقول الصحابي فجعله الأصل الرابع من أصول مذهبه وقدمه على القياس، قال في الأم: (ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عن سماعهما مقطوع إلا باتباعهما… فإن لم يكن حديثًا صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحدٍ منهم)
قالوا هذا في القديم وزعموا أنه لم يحتج به في الجديد وقالوا:
- في الجديد حكى أقوالًا للصحابة ثم خالفها… فهو لا يخالفها لو كانت حجة عنده.
- الشافعي في الجديد يذكر أقوال الصحابة فيخالفها تارة ويوافقها تارةً أخرى… وإن وافقها فإنه لا يعتمد عليها كما يفعل بالنصوص وإنما يقوم بتضمينها بالأقيسة.
ويرد ابن القيم على ذلك فيقول: (في الأولى: تعلقهم هذا ضعيف جدًا لأوجه فيه حيث إنه يصح للمجتهد أن يخالف دليلًا معينًا لدليل آخر ترجح في نظره أنه أقوى منه وهذا لا ينفي اعتباره الدليل الأول –قول الصحابي- دليل من حيث الجملة. وفي الثاني: يقول ابن القيم: قد جرت العادة بين أهل العلم قديمًا وحديثًا في تنوع الأدلة وتضمين بعضها ببعض ومساندة الدليل للآخر وذكر الدليل الثاني والثالث لا دلالة فيه على أن ما سبقه ليس بدليل. واستند في رده إلى ترتيب الشافعي للعلم في مذهبه الجديد في طبقات؛ حيث جعل الكتاب والسنة في الطبقة الأولى، والاجماع في الثانية، وقول الصحابة الذي لا يعلم له مخالف في الثالثة، وأما الرابعة ففي اختلاف الصحابة وأخيرًا الخامسة القياس) أعلام الموقعين عن رب العالمين.
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: (وعلى ذلك نقرر أن الشافعي يأخذ بقول الصحاب في القديم والجديد). تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية.
تقسيم أقوال الصحابة عند الشافعي:
- الأقوال التي اتفق عليها الصحابة في أمر ليس فيه نص من كتاب أو سنة ولم يخالفهم أحد… فهذا يعد اجماعًا منعقدًا، وهذا مقدم على القياس.
- الأقوال التي اختلف فيها الصحابة… فيصير الشافعي إلى ما وافق النص من كتاب أو سنة أو الإجماع أو كان أصح من القياس أو أشبه به وبما يسانده دليل آخر.
- إن لم تختلف أقوال الصحابة في دلالتها فإنه يختار منها ما اختاره الأئمة أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي، ويعلل ذلك بأن قول الإمام يشتهر ويتبعه الناس فلا يختص بأن يكون لرجل بمفرده أو فتوى لنفر بعينه؛ لأن الأئمة يسألون عما يقولون، ويستشيرون العلماء في دين الله ويحرصون أشد الحرص في القول بدين الله وتبليغ أحكامه فهم بذلك أولى بالاتباع.
وأما كون الإمام أحمد رحمه الله من القائلين بحجية قول الصحابي فهذا أشهر من علم في رأسه نار، ذلك أنه رحمه الله قد جعل الاعتماد على قول الصحابي هو الأصل الثاني من أصول مذهبه ( إعلام الموقعين 1/30). بل إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله (أصول مذهب الإمام أحمد ،336): قلت لأبي عبد الله: حديث عن رسول الله مرسل برجال ثبت أحب إليك أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟ قال أبو عبد الله رحمه الله: عن الصحابة أعجب إلي. ومما يدل على احتجاجه بقول الصحابة رضي الله عنهم قوله في كتابه (السنة، 78): ( بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة).
قال بان القيم رحمه الله (إعلام الموقعين 4/123): وأئمة الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي.
وأما في الآراء الحادثة في هذه المسألة فقد اختلف الناس بعد أئمتهم في حجية قول الصحابي إلى مذاهب مختلفة أهمها ما يأتي:
- عدم حجيته مطلقاً وبه قالت الأشاعرة، وأكثر المتكلمين والمعتزلة.
- عدم حجيته إلا فيما لا يدرك بالقياس وبه قال الكرخي، وأبو زيد.
- عدم حجيته إلا إذا خالف قوله القياس وبه قال بعض الحنفية وابن برهان والغزالي في المنخول.
- عدم حجيته إلا إذا كان الصحابي من أهل الفتوى وبه قال بعض الحنفية.
(المسودة في أصول الفقه والرسالة للامام الشافعي
متى يكون قول الصحابي حجة ؟
قال مقدم كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني الدكتور عبد الفتاح أبو سنة: كلامًا مفاده:
(الصحابة رضوان الله عليهم أفهم الناس لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث شهدوا التنزيل وجلسوا بين يدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، واللغة لغتهم واللسان لسانهم… وكانوا لبنات المجتمع الإسلامي الأولى، وارتفع هذا الصرح الشامخ على أكتافهم، وتدعمت أركانه عليهم وبهم، وعلى ظهورهم قام وانتشر بين الأنام فجزاهم الله خيرًا عن الإسلام والمسلمين…)
- قد يكون الصحابي جاهلًا في كثير من مسائل العلم؛ فهو قد يأتي فيرى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعود من حيث أتى، ويتوفاه الله على الإسلام، ولا يكون قد تحصل على العلم الشرعي كغيره من الصحابة الّذين جمعوا العلم.
- وإذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين في الفقه فهذا قوله حجة بشرطين:
- أن لا يخالف قول الله وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ مثال (قول ابن عمر وابن مسعود في عدم جواز التيمم في الجنابة).
- أن لا يخالف قول صحابي آخر؛ مثال (مسألة صيام يوم الشك أجازه ابن عمر وخالفه عمار بن ياسر)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر)
- الاحتجاج بقول الصحابي مذهب الإمام أحمد وأكثر الأئمة، قيل هو مذهب الأئمة الأربعة جميعًا.
- إنه من الخلل والنقص أنك إذا أردت أن تجمع أدلة المسألة جمعت الآيات والأحاديث وأغفلت قول الصحابي، هذا من الخلل، فلابد من إضافة أقوال الصحابة.
سئل الإمام أحمد عن مسألة فقال ذهب فيها ابن عمر إلى كذا. فقال له السائل: تذهب إليه؟ قال: أقول لك: قال ابن عمر، وتقول تذهب إليه!! ( وهذا يوضح منزلة قول الصحابي عندهم…)
- وهذا الحديث /الخبر الموقوف… والبعض يقول: هذا الحديث اختلف في رفعه ووقفه والصواب الوقف… اذن هو ضعيف… فيسقط الاستدلال به… والصواب أنه لا يسقط الاستدلال به بل هو حجة لأن قول الصحابي حجة.
وعندما نقول: (قول الصحابي دليل) هذا لا يعني أن الصحابي مُشرِّع فالأدلة نوعان: أدلة في ذواتها أدلة، وأدلة اعتبرت أدلة لكونها دالة على دليل.
الاجماع مثلًا حجة: هل الاجماع حجة لأن أقوال العلماء حجة في ذاتها؟ لا، ولكن اجماع الأمة في المسألة دليل قاطع على ثبوت هذا في شريعة الإسلام.
قال التلمساني في مفتاح الأصول:
الأدلّة على نوعين: 1- أدلة في ذاتها 2- أدلة متضمنه للدليل
وقال بعض العلماء: أدلة منشئة للأحكام (الكتاب والسنة)، وأدلة كاشفة (قول الصحابي)
فالصحابي إذا تكلم في المسألة إما أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو فهمها من عموم النص أو قياس النص.
أقوال الصحابة عند أئمة أهل الإسلام في أعلا مراتب الاستدلال وعند الظاهرية مثلًا لا عبرة لها…
يقول ابن حزم في المحلى: يأتي إلى مسألة (بيع المصحف) قال: فصل ويجوز بيع المصحف… يذكر أقوال الصحابة في المنع عن بيع المصحف، ثم قال وقد تبعهم على ذلك طلابهم من التابعين… ثم يقول: وهذا إجماع منهم رضوان الله عليهم على كراهة بيع المصحف، قال: وهو باطل لأن الله تعالى يقول: ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) – فهذا مخالف لقول أئمة الإسلام ومنهج أهل الحديث فلا يمكن أن يقولوا بهذا القول … أجمعوا على شيء ثم يقول وهو باطل؟!!
وهذا من الفروق بين مدرسة أهل الحديث ومدرسة الظاهرية.
ومن المزاعم التي يسلكها بعض أهل الهوى ممن يريد رد الشريعة والتقليلَ من شأن الصحابة وأقوالهم وأفعالهم: القول بأن الصحابة رجال ونحن رجال .
ومن الخطورة فهم النص بعيدًا عن فهم الصحابة، فنحن نعظم الصحابة وأقوالهم وأفعالهم لوجوه من الأدلة:
- النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأرشد إلى اتباعهم والأخذ بأقوالهم مع أن الدليل موجود في الكتاب ومحفوظ والدين كامل ومع ذلك أرشدنا إلى قول الصحابة وعمل الصحابة… لماذا؟
لأن الأدلة التي بين أيدينا يترجمها الصحابة بأفعالهم يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيطبقونه وهم لخصوصية قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولسلامة لغتهم ولمعاصرتهم التنزيل وأسبابه كانوا من أبصر الناس بالنصوص وفهمها، ثم هم من جهة سلامة القلب والديانة والاتباع لا يجاريهم أحد، ومن جاء بعدهم هو أدنى منهم منزلةً في ذلك، فكان لهم ما لم يكن لغيرهم.
وأخذ النص مجردًا عن فهم الصحابة يوقع الإنسان في كثير من الخطأ واتباع المتشابه؛ على سبيل المثال: القرآن الذي بين أيدينا لم يرتب على مواضع التنزيل، فقد تجد آية في أول لقرآن الناسخ لها في آخر القرآن، أو الآية الناسخة في ترتيب المصحف قبل المنسوخة وكذلك العامة والمخصص لها، والمتشابه والمحكم. فلابد من النظر فيه بعمل الصحابة ليعلم المراد من كلام الله تعالى ورسوله.
ومسألة سلامة اللغة والبيان هي عند المتقدمين أكمل منها عند المتأخرين ولا يمكن للمتأخرين أن يجاروهم فيها؛ من أمثلة ذلك: تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)… قد نأخذ منها حكم الإباحة وعدم وجوب السعي بين الصفا والمروة، والثابت الذي لا خلاف فيه أن حكمه ركن، وقد تبين لنا من ذكر الصحابة لسبب نزول هذه الآية.
والصحابة رضي الله عنهم درجاتٌ وطبقات وجميع الأصحاب رضي الله عنهم ثقات، وبعضهم عند الله أفضل من بعض.
وحُجية قول الصحابي في المعتقد أقوى من حجية قول الصحابي في الفقه، فقول الصحابي الذي لا يُعرف بالرأي ومالم يعرف عنه الأخذ من أهل الكتاب: حكمه حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.وقول الصحابي الذي لم يعرف له مخالف فقوله حجة ( قول جميع أهل العلم)، وقول الصحابي إن وقع فيه خلاف بين الصحابة، فالقول الذي فيه أبو بكر وعمر أقوى من القول الذي فيه غيرهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر…) رواه الترمذي.
ذكر ابن القيم في أعلام الموقعين 46 دليلًا على حجية قول الصحابي: (فمدح الله للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هذا المدح هو مَدح لفهمهم ومدح لأقوالهم وأفعالهم، وهم أصفى الناس وأكثر الناس إدراكًا لمراد ربهم ومراد نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس باللغة ومقاصد الشرع).