دراسات معاصرة

قصة أوروبا مع الغاز، والعاقل من اتعظ بغيره!

ماذا سيحدث إذا انقطعت الكهرباء عن ألمانيا؟
بحسب TRT عربي فإن انقطاع الكهرباء عن منطقة راينجاو تاونوس الألمانية سيؤدي للتالي:
بعد ساعتين: فشل معظم أجهزة الانذار ضد السرقة والحريق.
بعد 8 ساعات: توقف وسائل الاتصال الخاصة بالطوارئ عن العمل، توقف مرافق العلاج الأولي عن العمل، بدء خسارة جماعية في الماشية
بعد 4 ايام: أكثر من 400 قتيل بعمليات سطو وحرائق، اضرار بقيمة 200 مليون يورو، تعطل الهواتف النقالة، وتعطل الانترنت، نفاد البنزين، وتوقف أنظمة الدفع الالكتروني.


إذا كانت هذه نتائج انقطاع التيار عن مدينة صغيرة في ألمانيا، فماذا عن بقية البلد، فضلا عن أوروبا الغربية مجتمعة.
سيناريوهات مخيفة تطرح هذه الأيام بعد أزمة الغاز وتوقف الإمداد الروسي، فما هو أصل الحكاية؟ ولماذا وصلت أوروبا لهذه الحالة؟ وهل سيؤول الحال في البلدان العربية لهذا السيناريو؟ أم يمكن أن نفعل شيئا قبل أن نصل لما وصلوا إليه؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الشيوعية وقيام الاتحاد الروسي على انقاضه، تبين الحجم الهائل للثروات والمصادر الطبيعية المخبأة تحت جليد سيبيريا، والتي فشل الشيوعيون في استغلالها استغلالا أمثل. طمع الأوربيون بالحصول على الطاقة الروسية (غاز ونفط) بثمن رخيص، مقابل أسعار الطاقة الهائلة التي تطالب بها الولايات المتحدة، أو النفط العربي، الذي لا يريدون الاعتماد عليه واعطاء ورقة رابحة للعرب، وللتخفيف من الاعتماد على الطاقة النووية التي تبين خطرها، وبالذات بعد حادثتي شيرنوبل وفوكوشيما.


تُستخدم الطاقة بالقارة الأوروبية في مجموعة من الأنشطة، ومن بين ذلك النقل والمنازل والصناعة والخدمات والزراعة والغابات وفي إنتاج الغذاء، كما تُستخدم في الأسمدة والحصاد والتبريد والتدفئة.


لقد تغافل الأوروبيون عن الأطماع الروسية، فأصبح الغاز الروسي يمثل 40% من طاقتهم، في حين وصل في ألمانيا وحدها إلى 50% من خلال خط الغاز نورد ستريم1، وكانت تخطط لرفعه إلى 60%، باستخدام الخط الموازي نورد ستريم 2 لتزود 26 مليون منزل بالغاز اللازم للتدفئة، ودفعت لتطوير هذه الخطوط 10 مليارات يورو وحلمت بأن تصبح الموزع الرئيس للغاز الروسي في أوروبا.
ولكن هذه الأحلام توقفت مع الغزو الروسي لأوكرانيا، واستيقظ الأوروبيون على أسوأ كوابيسهم، وهي أطماع بوتين، قيصر روسيا المعاصر في استرداد جغرافيا الاتحاد السوفيتي، وهو يملك الآن مفاتيح الطاقة الأوروبية بيده.
لقد اعتمدت خطة الناتو في الحرب على استنزاف الجيش والموارد الروسية قبل الخريف، في حين كانت خطة بوتين اطالة أمد الحرب لحين دخول الخريف وازدياد احتياج أوروبا للطاقة.


لقد حاصر الأوربيون روسيا وفرضوا عليها عقوبات قاسية، من ضمنها تقليل كمية الغاز المستوردة منها، مما قلل المعروض في السوق، مما رفع أسعاره بنحو 450 في المئة مما كانت عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وقام بوتين بابتزازهم، بالقطع المبرمج لتدفقات الغاز بحجة الصيانة الدورية، أو الأعطال، ووجوب الدفع بالروبل، وأخيرا تسريبات الغاز تحت البحر وتوقف الضخ.
وصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق خفضت فيه الدول الأعضاء استخدام الغاز بنسبة 15 في المئة، وفي إطار سعيها إلى وقف الاعتماد على الغاز الروسي، حاولت برلين الحصول على إمدادات بديلة من الغاز من كل من النرويج وهولندا. كما تعتزم أيضا شراء خمس محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة.


لكن الأمر لا يبدو سهلا، إذ ينبغي بناء خطوط أنابيب جديدة تمتد من الساحل إلى بقية ألمانيا، الأمر الذي من شأنه أن يستغرق عدة أشهر. كما تعمل ألمانيا على زيادة استخدامها للفحم وإطالة عمر محطات الطاقة التي كانت تخطط لإغلاقها على الرغم مما لذلك من آثار سلبية على البيئة. وتحاول إيطاليا وإسبانيا بدورهما استيراد المزيد من الغاز من الجزائر للتعويض عن نقص الغاز الروسي. وتأمل الحكومة الألمانية في تقليل استخدام الغاز بنسبة 2 في المئة عن طريق الحد من استخدام الإضاءة والتدفئة في المباني العامة هذا الشتاء.


لقد طرحت إسبانيا بالفعل إجراءات وتدابير مماثلة لتلك التي اتبعتها ألمانيا، وتدرس سويسرا فعل الشيء نفسه. كما يتخذ العديد من المواطنين الأوروبيين بعض التدابير والإجراءات بأنفسهم. وفي ألمانيا يشتري الناس مواقد الحطب ويركبون ألواح الطاقة الشمسية. الجميع يحاول اتخاذ إجراءات خاصة لتقليل استخدامهم للغاز.


وتضررت الأسواق المتعلقة بصناعات الألبان والمخابز بشدة؛ لأنها كثيفة الاستهلاك للطاقة. فقد ارتفعت أسعار الزبدة بنسبة 80% منذ بداية العام حتى أغسطس الماضي، في حين ارتفعت أسعار الجبن بنسبة 43%، وارتفع لحم البقر بنسبة 27%، وارتفع مسحوق الحليب بأكثر من 50%. كما تضررت الأسمدة بشدة، وزادت أسعارها بنسبة 60% سنويا، مما وضع المزارعين تحت ضغوط اقتصادية وتوقف 70% من إنتاج المنطقة. وذكر الخبراء أن من يعانون من حالات صحية موجودة مسبقا، مثل الربو أو أمراض القلب، أو في طريقهم للتعافي من الجراحة، أو كبار السن أو المعاقين ومن يتعرضون لنزلات البرد، فإن المنزل الرطب، يمكن أن يجعل جميع ظروفهم الصحية -الموجودة من قبل- أسوأ. وورد أن بعض المعاقين لم يشحنوا كراسيهم المتحركة خلال الصيف في المملكة المتحدة لأنهم كانوا قلقين بشأن إذا ما كانوا قادرين على تحمل فواتير الخدمات العامة. وكانت هناك أيضا قصص عن عائلات بدأت بالفعل في التفكير في النوم جميعا، مع الأطفال، في غرفة واحدة لتوفير الطاقة.
وفي ما يتعلق بمخزون الطاقة، ضمنت أوروبا بالفعل إعادة ملء منشآتها التخزينية بنسبة 80% بحلول نوفمبر المقبل. ومن المرجح أن يكون لدى القارة ما يكفي من الوقود لتوليد الكهرباء هذا الشتاء. ومع ذلك، فإن استقرار القارة يعتمد على وجود شتاء “عادي” نسبيا؛ لأنه إذا انخفضت درجات الحرارة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب إلى مستويات لا تستطيع الاحتياطات التعامل معها. لذلك، فإن السيناريو الأسوأ هو شتاء شديد البرودة. وفي هذا السيناريو الأسوأ، يُتوقع دخول الاقتصاد الأوروبي في حالة من السقوط الحر المطلق؛ لأنه لن يكون بالمقدور إنتاج أي شيء، لأنه مكلف للغاية، ولأن الحكومة تعطي الأولوية لإرسال الغاز لتدفئة المنازل بدلا من الصناعة. وحتى الآن، قال المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى إن أوروبا يمكن أن تعاني من شتاء أكثر برودة وجفافا، ومن المحتمل أن تكون الرياح أقل. وأضاف أن الوضع سيكون أكثر صعوبة العام المقبل، بغض النظر عما يحدث، لأن المخزون الحالي سيُفرغ، ولن يُعوض بالمقدار نفسه.


وفي السيناريو الحالي، إذا استمرت فواتير الخدمات في الارتفاع، وزادت أعداد البطالة، وكان هناك تباطؤ اقتصادي، يعتقد الخبراء أن هذا قد ينعكس على الشوارع أيضا. وقال منسق “تحالف إنهاء فقر الوقود” هناك احتجاجات مخطط لها بالفعل في بريطانيا. هناك مجموعة كاملة من الأشياء التي لا تنفذها الحكومة، وهذا يتسبب أساسا في تفاقم أزمة تكلفة المعيشة وأزمة نقص الوقود، وسنرى. أعتقد أن الغضب يزداد يوما بعد يوم”.


لقد وصلت أوروبا لهذه الأزمة بسبب اعتمادها الكبير على الطاقة الروسية، والتغافل عن خطر بوتين مقابل المخاوف الكبيرة من العالم العربي ومصادر طاقته. وكل من يسلم رقابه لغيره فهو معرض لهذا. لقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم عند هجرته للمدينة أن يبقى الاقتصاد بيد اليهود، حيث كان السوق الرئيسي في بني قينقاع، فكان من أوائل سياساته، إقامة سوق المدينة. وكذا رفض أن يكون الماء تحت سيطرتهم، فقال: من يشتري بئر رومة غفر له. فاشتراه عثمان وجعله سبيلا للمسلمين.
واليوم ترتبط بعض الدول العربية مع ألد أعدائها باتفاقيات بخصوص المياه والطاقة والكهرباء والغاز. فتستورد احداها 80% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من هذا العدو، تستخدمه في الصناعة ولانتاج 40% من طاقتها الكهربائية. وتشتري منه 50 مليون متر مكعب من الماء بحسب الاتفاقيات المبرمة، وتخطط لمشروع مشترك بتمويل خليجي أمريكي لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتحلية مياه البحر، فيما بات يعرف باتفاقية الكهرباء للعدو مقابل الماء لهذه الدولة.
تعتمد بلادنا اليوم في اقتصادها ومائها وكهربائها وتسليحها على أعدائها، وغفلت عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل عن أبسط بديهيات السياسة، فمن يمنع العدو أن يقطع غازه أو ماءه عن البلاد في أشد حاجتها له، ليبتزها ويملي عليها أجندته؟ والعاقل من اتعظ بغيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى