محكمات

هل جاء الإسلام ليقيم دولة؟

قبلَ الإجابةِ على هذا السؤال، لا بدَّ أن نشيرَ إلى مشكلةٍ أعم، ألا وهي أنَّ البعضَ يريدُ أن يحصُرَ الإسلامَ في جانبٍ الشعائرِ التعبديةِ فقط… ثم يجيزُ لنفسِهِ فعلَ ما يشاءُ في أمورِ حياتهِ ومعاملاتِه الأخرى، بلا تقيّدٍ بأيِّ ضابطٍ شرعيٍّ أو أخلاقي!! ومن فهِم الإسلامَ بهذهِ الصورةِ فالإسلامُ عندَه لم يُقِمْ دولةً، ولا ينبغي لهُ أن يُقيم.

فهل كان هذا فعلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وفهمَ أصحابهِ الكرامِ للإسلام؟

لقد كان مفهوم الإسلام في وجدانهم أن عبادة الله هي غاية الوجود الإنساني كلِّه، قال تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون “، وكما فهموا من قوله تعالى: ” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” إن كل فعل وتصرف للدنيا والآخرة هو للتقرب لله، وبما شرع الله.

نعم أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة في المدينة تتوفر فيها العناصر الرئيسة للدولة ألا وهي : الأرض، الشعب، الحكومة، السيادة.

1.فالأرض: كانت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام المدينةَ النبوية وما حولها في بداية الأمر ثم نمت بعد ذلك لتضم معظم جزيرة العرب واليمن. وكانت الهجرة واجبة للمدينة وأحكام أهل المدينة تختلف عمن لم يهاجر لها، ثم نسخ الحكم بعد فتح مكة، وألزم المشركون في عام 9 هـ بدخول الإسلام أو الخروج من جزيرة العرب، كما أخرج اليهود بعد ذلك منها عندما أخلّوا بشروط بقائهم فيها.

2.ثم الشعب : وهم المهاجرون والأنصار والأعراب (وهم أكثر بكثير من سكان بعض الدول التي تعترف بها الأمم المتحدة اليوم مثل الفاتيكان التي يقدر عدد سكانها بقرابة الألف نسمة فقط! )،  ثم ازداد عدد الصحابة ليصل إلى مئات الألوف عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وضمت المدينة في البداية بقايا المشركين واليهود، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة تنظم حقوق وواجبات كل طائفة اشتهرت باسم وثيقة المدينة وكانت بمثابة أول دستور إسلامي .

3.أما الحكومة: فيقودها الرسول صلى الله عليه وسلم وكبار المهاجرين والأنصار.

4.وأخيراً السيادة: ولا يختلف اثنان على أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له السيادة على الأرض والشعب، فخضع الجميع من المسلمين وغير المسلمين لحكمه وشرعه وتمثل ذلك بالسمع والطاعة له ولمن ينوب عنه، ومحاسبة المخالف وفق أحكام الإسلام .

وهنا إذا تساءل أحدهم : هل كان لهذه الدولة نظام حكم واضح المعالم ؟

فنقول نعم ، لقد كان دستور الأمة وما زال الكتاب والسنة قال تعالى ”  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ” .. فأصول المسائل الكبار التي تنظم المجتمع المسلم في جميع مجالات الحياة مبينة في القرآن الكريم ، وأما التفاصيل فكان الحكم للنبي صلى الله عليه وسلم ففعله وقوله وتقريره حجة . ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” وما أثر عنه في هذا الأمر كان نواة لما سمي فيما بعد بالسياسة الشرعية .

أبرز معالم الدولة النبوية : إفراد الحاكمية لله والرسول ونظام الشورى والعدالة في تطبيق القانون على الجميع بلا تمييز وتولية الأكفاء وكما قامت الدولة بحماية الدين ونشره وتعبيد الناس لربهم وسياسة الدنيا بالدين على أكمل وجه وأتم صورة .

لسماع المقالة https://anchor.fm/daowair/episodes/ep-e162hvf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى