دولة الخلافة الراشدة (8 – الأخيرة)
هذه هي آخر حلقات دولة الخلافة الراشدة، ونناقش فيها مرحلة مؤلمة من تاريخ هذه الأمة، وهي الفتنة التي حدثت في آخر عهد الخلافة الراشدة.
الفتنة في عهد عثمان: حكم عثمان رضي الله عنه من 23 – 35 هـــ وقد تولى الخلافة عن اجماع من المسلمين، وسار على سنة الخليفتين من قبله، فتوسع في الفتوح، وحكم بالقرآن والسنة، ولكنه على خلاف عمر، توسع بالمال على الناس، وسمح لهم بالخروج من المدينة، وقد حدثت الفتنة في السنوات الأخيرة من حكمه رضي الله عنه، وقد ذكر المؤرخون والمحدثون أسباب عدة لهذه الفتنة، نوجزها فيما يلي:
1- نشأ في البلدان المفتوحة أناس أغرار لم يتشبعوا العلم والفقه، فانتقدوا على عثمان أمورا لا تستحق، وإنما أتوا من قبل جهلهم وغلظة بعضهم، كما انتقد سلفهم قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال أبو سعيد الخدري: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). متفق عليه.
2- تضافر اليهود والنصارى والمجوس الذين هزموا في ميدان المعركة على الكيد للمسلمين، فتظاهروا بالاسلام، وأبطنوا الكفر، وتتبعوا جهلة المسلمين، وفساقهم ومغامريهم، فبثوا بينهم أحاديث الفتنة، والتحريض على الخليفة. وعلى رأس هؤلاء كان عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، وهو الذي غلا في الذم في عثمان، ثم بعد ذلك الغلو في علي بن أبي طالب، وبدعة أحقيته بالخلافة، وكان سببا في ظهور فرقة الشيعة.
3- استخدم أهل الفتنة أساليب خبيثة لم يعرفها العرب من قبل، مثل تزوير الرسائل على لسان علي وعائشة تدعو للثورة، ورسائل على لسان عثمان تدعو لقتل البغاة، وكذلك ارسال الرجال من مدينة لأخرى يكذبون وينسبون للولاة ما لم يفعلوه.
4- ربما تحدث بعض الصالحين في عثمان وانتقدوا بعض أعماله أو اجتهاداته الفقهية، وهو ليس معصوما، وهو ليس أبو بكر أو عمر، وما كانوا يظنون أن أحاديثم سيساء استخدامها، وستؤدي للخروج على عثمان وقتله، وقد ندم هؤلاء أشد الندم، ولربما شارك بعضهم المطالبين بالقصاص من قتلة عثمان.
وقد كانت الانتقادات التي يتناقلها البغاة ومثيري الفتن مما يلي:
- انتقدوا على عثمان توليته لأقاربه في الولايات، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم، واستعملهم أبو بكر وعمر، فلما جاء عهد عثمان، قالوا ولى أقاربه، وقبيلة عثمان، بني أمية، أكبر القبائل القرشية، وكان الولاة على كفاءة عالية، وكذلك فقد ولى عثمان الكثير من الولاة من غير قبيلته، ولكن لم يذكر هؤلاء. علما بأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى الأكفاء من قرابته وأنسبائه مثل أبي بكر وعمر وحمزة وعلي والزبير وجعفر ومولاه زيد.
- وانتقدوا على عثمان عدم عدله في العطاء، وهذا خطأ كبير، فقد ميز أبو بكر وعمر بين الناس، فأعطى السابقين الأولين من المسلمين ما لم يعط غيرهم. ولكن لما رأى البغاة أعيان الصحابة وقد خرجوا للأمصار وتملكوا الأراضي حسدوهم، وقالوا ظلم عثمان ولم يساوي في العطاء.
- وانتقدوا حرق عثمان للمصاحف، وهذا من جهلهم، فقد أجمع الصحابة، كما روى علي بن أبي طالب، على جمع الناس على مصحف واحد وحرق ما سواه، لكي لا يختلف الناس بالقرآن، وهي من أكبر انجازات عثمان.
- وعابوا على عثمان تغيبه عن بدر، وإنما تغيب بأمر النبي لتمريض زوجته، وضرب له سهم من الغنائم، وعابوا عليه فراره يوم أحد، وقد عفا الله عمن فر يومئذ في محكم قرآنه، وعابوا عليه تخلفه عن بيعة الرضوان، وإنما كانت بيعة الرضوان بسبب حبس قريش لعثمان وإشاعة مقتله.
وقد اجتهد عثمان رضي الله عنه في تتبع أسباب الفتنة ورجالها، فعزل من الولاة من اشتكت منه رعيته، وناقش من سار بالفتنة منهم، ونفي مثيري الفتن. ولكنهم تجمعوا في آخر عام 34 هـــ وعند انشغال الناس في الحج، فهاجموا المدينة بعصابة من البصرة والكوفة ومصر. فناظرهم عثمان، وناقشهم الصحابة، وأقنعوهم بالرجوع لبلدانهم والاستجابة لمطالبهم. ثم ما أسرع ما عادوا وحاصروا بيت عثمان مطالبين بقتله وزعموا أنه أرسل رسولا لواليه على مصر بقتلهم، وقد أنكر عثمان ارسال الكتب، وكان الرسول مريبا إذ سار خلفهم وأمامهم ليقبضوا عليه، وكيف عرف أهل البصرة والكوفة بما حدث لعصابة مصر، فكان كل شيء يدل على الخديعة والمكر. وقد كان عثمان قد رفض قبل ذلك حضور جنود من الشام لحمايته، وعندما رأى أنهم أهل هوى، ولا تنفع معهم موعظة أو حجة، فوض أمره إلى الله، وأمر جميع المسلمين، والذين التفوا حوله مهاجرهم وأنصاريهم لحمايته، بعدم القتال والعودة للبيوت، وأنه إذا كان موته سينهي فتنتهم، فلا مانع له من الموت، ولا يكون سببا في إراقة دم مسلم، أو قتال بين المسلمين. لقد كان رضي الله عنه يعلم يقينا بالفتنة التي ستقع له، كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم، ورفض التنازل عن الخلافة، كما أوصاه النبي، ورضي أن يضحي بنفسه لتعيش أمته، وأن يلاقي الله وليس في رقبته دم مسلم.
للأسف الشديد قام البغاة بمهاجمة عثمان وقتله وهو يقرأ القرآن، فكان مثل خيري ابني آدم، وباؤوا هم بالخزي في الدنيا والآخرة، وليت الذين جاءوا من بعده ساروا على سنة عثمان، بل ذهب عثمان نظيف اليد، وتورط من بعده بالدماء المسلمة، وندموا جميعا، ولكن بعد فوات الأوان.
الفتنة في عهد علي: قبل علي رضي الله عنه الخلافة نزولا عند رغبة أهل المدينة، وخوفا من ضياع أمر المسلمين، حيث كان أمير البغاة الغافقي بن حرب يصلي بالناس، وامتدت خلافته من 35 – 40 هـ، وكانت أول مشكلة يواجهها رضي الله عنه الموقف من قتلة عثمان، وقد رأى عدم التعرض لهم في هذه المرحلة وذلك للأسباب التالية: - انتهج علي رضي الله عنه سياسة عثمان، التي دفع دمه مقابلها وهي الحفاظ على وحدة المسلمين، وعدم القتال بينهم، فلا معنى لقتالهم بعد استشهاد عثمان، وقد تركوهم قبل ذلك.
- لا يعرف قتلة عثمان بعينهم، ومن شارك في ذلك نفر قليل، وإن عدد البغاة الذين غزو المدينة بالمئات، فممن يقتص علي، ممن باشر القتل وهو لا يعرفه أم كل من شارك بالغزو.
- لكثير من هؤلاء البغاة قبائل ستتعصب لهم، وقد يؤدي قتلهم غضب قبائلهم لهم ووقوع القتال بين المسلمين، وهذا الذي خشيه عثمان وضحى بنفسه لمنع حدوثه.
معركة الجمل: ولكن نفرا آخر من الصحابة رأوا رأيا آخر، وهو وجوب الثأر لعثمان من كل من شارك بالغزو، وإقامة حد الحرابة عليهم، ولما رأوا علي لا يتحرك في هذا الاتجاه، قرروا أن يقوموا بالأمر بأيديهم، فخرج طلحة والزبير وعائشة للبصرة، ولحقهم المئات من المسلمين الذين غضبوا لما أصاب عثمان، ورأوا أنفسهم مقصرين في نصرته، ولا كفارة لذلك إلا بالثأر من قتلته. واستطاعوا دخول البصرة وعزل والي علي، وانقسم الناس، فمنهم من انضم إليهم ومنهم من توقف، ولاحقوا كل وقع بأيديهم ممن شارك بغزو المدينة فقتلوه. وقد رأي علي في هذا خروج عن طاعته وهم الذين بايعوه بالأمس على الطاعة، فخرج إليهم، وقد نصحه عبد الله بن سلام وابنه الحسن بعدم ذلك، ولكنه أصر على الخروج، ثم ندم على ذلك، وامتنع معظم كبار الصحابة عن الخروج معه لأنه قتال فتنة بين المسلمين. وصل علي للكوفة وانضم إليه فريق من أهلها في حين رفض واليها أبو موسى الأشعري والكثير معه من المشاركة بقتال المسلمين، ثم انضم إليه من البصرة قبائل بعض البغاة الذين قتلوا على يد طلحة والزبير. والتقى الجمعان، وحاولوا الوصول للصلح، وركبت عائشة جملها وسارت بين الجيشين لمنع القتال، ولكن البغاة سارعوا بانشاء القتال لأنهم يعلمون أن الصلح سيكون ثمنه عقابهم، ودارت معركة أليمة قتل فيها آلاف المسلمين، وقتل العشرات وهم يحيطون بجمل أم المؤمنين عائشة، واستشهد طلحة في المعركة، وقتل الزبير غدرا بعد انصرافه من القتال، وهزم أهل البصرة، ونادى منادي علي بعدم تتبع فارهم ولا الإجهاز على جريحهم ولا استباحة أموالهم وأعراضهم، وأن من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، وإنما غنم ما تركه هؤلاء في أرض المعركة. وقد أحسن علي لأم المؤمنين، وردها معززة مكرمة للمدينة، وعفا عمن قاتله منهم، ورد أموال طلحة لأبنائه، وقال عن خصومه من أهل الجمل: (أخواننا بغوا علينا فقاتلناهم وقد فاؤوا وقد قبلنا منهم).
معركة صفين: رفض معاوية بن أبي سفيان والي الشام البيعة لعلي، فجاءه أبو مسلم الخولاني وناس معه فقالوا له: (أنت تنازع عليا أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع لي قتلة عثمان وأسلم له. فأتوه فكلموه بذلك فلم يدفعهم إليه). وهذا ينسجم مع سياسة علي رضي الله عنه في عدم ملاحقة قتلة عثمان في هذه المرحلة. وللأسف الشديد بدل اجتماع المسلمين واتفاقهم بخصوص قتلة عثمان اختلفوا والتقوا في أرض صفين بين الشام والعراق للقتال، وقد ظلوا يؤخرون الالتحام بين الجيشين لما يزيد عن الشهر، بل اكتفوا ببعض المناوشات، ثم حدث الالتحام بين الجيشين واستمر القتال لعدة أيام سقط فيها آلاف القتلى من الطرفين. واستشهد عمار بن ياسر في القتال، وكان في صف علي، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفئة الباغية تقتله، وأن قاتله وسالبه في النار، فتأول أهل الشام الحديث بأن من أخرجه للقتال هو من قتله، وأن عذاب النار لقاتله دون سائر الجيش !! ثم بدأت الكفة تميل لصالح أهل العراق، فرفع أهل الشام المصاحف على الرماح، ودعوا للتحكيم، فاستجاب علي وهو الذي كان كارها أصلا للقتال، واتفقوا على اللقاء في العام القادم للنظر في شأن المسلمين والتحكيم بين الطرفين. ولكن وللأسف الشديد عند لقاء الحكمين لم يتفقا، وانفضوا على خلاف، ورجع كل فريق إلى بلده بدون أي حل.
معركة النهروان: خالف بعض أصحاب علي في شأن التحكيم، وقالوا له كيف تحكم الرجال في دين الله، وكفروا عليا وأصحابه وكفروا أهل الشام، وقد ناقشهم عبد الله بن عباس في شأن التحكيم، وتلا عليهم قول الله تعالى في شأن تحكيم الرجال: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره) فبين لهم أن الله أمر بتحكيم الرجال يبينون حكم الله، وهذا هو حال التحكيم مع أهل الشام، فاستجاب له خلق كبير منهم، ولكن أصر قوم آخرون، وعندما عادوا للعراق اعتزلوا الناس، فناظرهم علي، ورجع منهم قوم وبقي آخرين، فقال علي: (لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا) ولكنهم للأسف الشديد كفروا مخالفيهم واستحلوا دماءهم وأموالهم، وأغاروا على الناس وقتلوا عدي بن خباب بن الأرت وأم ولده، فخرج إليهم علي بن أبي طالب وهو لا يشك أنهم الذين تحدث عنهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) متفق عليه، والتقى الطرفان في النهروان، فهزمهم علي وكانوا أربعة آلاف، فلم يبق منهم إلا بضعة جرحى. وكان علي يبحث بين القتلى عن رجل وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده، وسجد لله شكرا تصديقا لنبوءة النبي، ولأنه أخبر أن الفئة التي تقتلهم على الحق.
استشهاد علي: تقاعس أصحاب علي عن القتال والخروج معه لقتال أهل الشام، في حين اشتد عود أهل الشام وضموا إليهم مصر وفارس واليمن. وقد تآمر نفر من الخوارج لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة، ونجحوا في إصابة علي رضي الله عنه وهو خارج لصلاة الفجر، فاستشهد رضي الله عنه، وبايع أصحابه ابنه الحسن من بعده، الذي رأى أن الخلاف والقتال شر، وبالذات مع خذلان من يزعم أنه من شيعته، فتصالح مع أهل الشام وتنازل عن الخلافة لمعاوية، وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا حيث قال عن الحسن وهو طفل صغير: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) رواه البخاري، كان هذا عام 40 هـــ وسمي عام الجماعة، لاجتماع المسلين وانتهاء الفتنة بينهم، وبهذا انتهت فترة الخلافة الراشدة التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وبشر بها. - اجتهد الصحابة بعد مقتل عثمان، فمنهم من نأى بنفسه عن القتال بين المسلمين، مثل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر، بل جمهور الصحابة على ذلك، ومنهم من انضم لعلي مثل عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر، ومنهم من خرج على علي مثل طلحة والزبير، ثم بعد ذلك معاوية وعمرو بن العاص. ولعل الفريق الأول كان أقربهم للحق، وندم الفريقان الآخران، وودا لو لم يشتركوا بقتال بين المسلمين. أما عن الاقتتال بين المسلمين، فلا شك أن الحق كان مع علي رضي الله عنه في هذه الفتنة، فقد بايعه جمهور الناس، وكان على البقية أن يبايعوه ويدرؤوا الفتنة، التي سعى عثمان رضي الله عنه لدرئها مضحيا بنفسه. فطلحة والزبير، قد اعترض عليهم التابعي الجليل مطرف بن عبد الله لما جاؤوا للبصرة لملاحقة قتلة عثمان، فقال تركتم الشيخ حتى قتل هناك، ثم جئتم تطلبون ثأره هنا. وعندما آل الأمر إلى معاوية رضي الله عنه، عمل برأي علي، فلم يلاحق قتلة عثمان، وهو إنما قاتل علي على ذلك!! ثم هناك الأحاديث التي تحدثت عن قتل الفئة الباغية لعمار، وعن قتال الخوارج، كل ذلك يشهد لصحة موقف علي. ولكن الكل اجتهد وحرص على إصابة الحق، فهم إن شاء الله بين الأجر والأجرين، ومعاوية لم يطلب الخلافة، كما مر في حديث أبي مسلم الخولاني، وإنما بويع له بالخلافة في بيت المقدس بعد وفاة علي. وكانوا رضي الله عنه يستغفرون لبعض، ولم يكفر أحدهم الآخر.
- البغاة الذين خرجوا على عثمان، ثم قاتلوا عليا مع الخوارج من شر الناس، وإن كان بعضهم أهل عبادة واجتهاد، فهم في المقابل أهل جهل وتشدد، وهم الطائفة الوحيدة التي تحدث عنها النبي وذمها، بل قال صلى الله عليه وسلم: (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) متفق عليه، وقد كان للخوارج أثر مدمر في الأمة، توقف بسببهم قتال الكفار وانشغل المسلمون بقتال بعض، وكذلك ظهرت فرقة الشيعة الغلاة الذين يفضلون علي على غيره من الصحابة، ويرونه أحق بالخلافة من غيره، وأن أبا بكر وعمر سلباه حقه، وهذا الأمر لم يظهر إلا على لسان عبد الله بن سبأ، ثم كان هو ومن تبعه من شر الفرق وأكثرها كذبا وافتراء، ظاهر أمرهم حب آل البيت والتشيع لهم، وحقيقتهم الكفر والخروج من الإسلام.
- لم يعد أحد معاوية رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين، ولكنه من أعدل ملوك الإسلام، اجتمع المسلمون على عهده، واستؤنف الجهاد والفتح وحكم 20 سنة بالعدل. ونهاية حكم الخلفاء الراشدين لا يعني أن الإسلام والحكم به قد انتهى أو توقف، ولكنه ليس على نفس الصفاء الذي كان في عهدهم رضي الله عنهم، وإن كان حكما بالقرآن والسنة وسعيا قدر المستطاع على سنتهم، رضي الله عنهم أجمعين.