محكمات

السياسة في القرآن الكريم

(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام/162، 163]ر
عرّفت السياسة لغةً بأنها عبارة عن معالجة الأمور، وهي مأخوذة من الفعل ساسَ ويسوس، أما اصطلاحاً فتعرف بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية، وكافة شؤونها الخارجية، وتعرف أيضاً بأنها سياسة تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. وتعرف كذلك بأنها العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة، وعرفت أيضاً بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية. وعرفت أيضاً بأنها الدولة وكل ما يتعلق بها من شؤون مختلفة، وقيل هي التفاعلات بين الدول على الساحة الدولية، وقيل أيضاً هي النشاط الذي من خلاله يصنع الناس القواعد العامة التي يعيشون في ظلها ويحافظون عليها ويعدلونها، وبحسب موسوعة كامبريدج: هي أنشطة الحكومة أو أعضاء المنظمات التشريعية أو الأشخاص الذين يحاولون التأثير على الطريقة التي يُحكم بها بلد ما، وبحسب موسوعة كولنز: هي الإجراءات أو الأنشطة المعنية بتحقيق القوة واستخدامها في بلد أو مجتمع.
مما سبق نلحظ الاختلاف الكبير في تعريف وتحديد مصطلح السياسة بين موسع ومضيق، ولكن مهما كان التعريف والمأخذ، فإننا نجد أن القرآن الكريم أشار إليه صراحة أو تلميحاً، فالله تعالى الذي جعل حياة الإنسان كلها مرتبطة – وهذا هو حقيقة معنى الإسلام – قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام/162، 163]، فالذي أمر بالإيمان بالله واليوم الآخر، وأمر بالإيمان بالرسل، وأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، وأمر بالصدق وأداء الأمانة والإحسان للناس، هو نفسه من أمر بالحكم بما أنزل، وأمر بالعدل بين الرعية، وبموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وأمر بالجهاد، والإيفاء بالعهود، وغيرها، ولا يكون الإنسان مسلماً إلا إذا استسلم لجميع أمر الله، قال تعالى ناعياً على الذين يلتزمون ببعض الشرع ويتركون بعضه: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة/85، 86].
ونعرض فيما يلي بعض آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الحاكمية، ووجوب الحكم بالعدل، وتحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتبين فضل الشورى، وتحدد العلاقة بين الدولة المسلمة والدول الأخرى، وتحدد مواطني الدولة المسلمة، وتضع العقوبات للجرائم الكبرى.
وهذا لا يعني أن الحكم هو فقط بما جاء في كتاب الله، فرب قائل يقول إن آيات الله في القرآن محدودة، والنوازل والقضايا
لاتحد بزمان ولا مكان، فنقول إن هذا صحيح، فقد جاءت آيات الله عامة يندرج تحتها الكثير من المسائل، وهناك تفاصيل كثيرة جداً في السنة النبوية، ثم الإجماع الذي انعقد أيام الصحابة، ثم القياس والمصالح المرسلة والعرف وشرع ما قبلنا، وغيرها من مصادر التشريع، ثم يأتي ما يسمى بالسياسة الشرعية، التي تحدث عنها فقهاء الإسلام على مر العصور، وهي تدبير شؤون الدولة الإسلامية بما لم يرد في النص، أو في ما يتغير أو يتبدل في سبيل مصلحة الأمة، وبما يكون متفقا مع أصول الشريعة الإسلامية العامة وأحكامها.

  • مرجعية الحكم: بين الله تعالى أنه صاحب الحق بالحكم دون سواه، كما تفرد بالخلق دون سواه، قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف/54]، وقال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) [الأنعام/57] وأمر نبيه بالحكم بما أنزل الله، فقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة/49] وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء/105]، وبين أن المؤمن هو من ينقاد لحكم الله، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور/51]، في حين أن المعرضين عن حكمه بين الكفر والظلم والفسق والنفاق، قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة/44] وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة/45] وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة/47] وقال تعالى: (وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [النور/47-50] ونفى الله تعالى الإيمان عمن تولى عن حكمه، أو لم يرضوا به، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء/65].
  • الحكم بالعدل: بين الله تعالى أساس الحكم بين الناس وقيامه بالعدل، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء/58]، وأمر تعالى بالعدل حتى لو كان على حساب الأقارب، فقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام/152]، بل العدل حتى مع العدو، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة/8].
  • طاعة الرعية للحاكم بالمعروف: ومقابل عدل الحكام، تجب الطاعة على الأفراد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء/59]، وإنما الطاعة بالمعروف، أما المعصية والظلم والكفر فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب/66، 67].
  • الشورى: أمر الله نبيه بمشاورة أصحابه في الأمور العامة، فقال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران/159]، فكان النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس مشاورة لأصحابه، وأصبحت الشورى صفة مميزة للمؤمنين مقرونة بالصلاة والزكاة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [الشورى/38].
  • العلاقة مع الدول الأخرى: أمر الله عباده بالصبر والعفو عن أذى الآخرين ان كانوا ضعفاء لا يستطيعون الدفع عن أنفسهم، قال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة/109]، ثم أذن لهم بالدفاع عن أنفسهم إذا أمكنهم ذلك، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج/39]، ثم أذن لهم بمقاتلة من يقاتلهم، فقال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة/190]، ثم أمرهم بقتال الكفار القريبين من ديارهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة/123]، ثم أمرهم بقتال كافة المشركين، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة/36]، وبحسب حال الدولة المسلمة من القوة والضعف، تمتثل لما يناسبها من هذه المراحل. وأباح الله للدولة المسلمة الدخول في الصلح مع غيرها اذا اقتضت مصلحتها ذلك، قال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنفال/61] كما حدث في صلح الحديبية، أما في حال القوة فقد نهاهم عن الضعف تجاه خصومهم والركون إليهم، فقال تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [محمد/35]. وبين حال أهل الذمة داخل الدولة المسلمة، فقال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة/29].
  • الوفاء بالعهود مع الخصوم: أمر الله عباده بالوفاء بالعهد لمن عاهدوا من الكفار، قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة/4]، وأوصاهم بإلغاء العهد وإخطار عدوهم بهذا إذا خافوا نقضه له، أما الخيانة فليست من خلقهم ولا شيمهم، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال/58].
  • مواطنو الدولة المسلمة: بين تعالى مواطني الدولة المسلمة والعلاقة بينهم، في مقابل العلاقة مع خصومهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال/72، 73]، وبين كيفية التعامل مع المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون غيره، فبين تعالى لنا صفاتهم في مواضع كثيرة لنحذرهم، وأمرنا أن نأخذ بعلانيتهم ونكل سريرته لله، ولكن مع أخذ الحذر منهم، قال تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون/4]، وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء/63].
  • حكم البغاة والخارجين عن القانون: بين تعالى حدوده، ووضع عقوبات زواجر للجرائم الكبرى، قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات/9]، وبين حد السرقة، فقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة/38]، وبين كذلك حكم المحاربين، فقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة/33]، وبين عقوبة الزنا لغير المحصن، فقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور/2]، وأما المحصنين، فقد بينته السنة النبوية، وبين كذلك عقوبة الذين يقذفون أعراض الناس، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور/4]، وغيرها كثير بينته السنة النبوية وطبقه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده.
    هذه نماذج من التوجيهات القرآنية في شأن السياسة، والتي وضعت أطرا عامة على المسلمين اتباعها والاجتهاد في تطبيقها وتنزيلها على الواقع، ثم لهم الاجتهاد بعد ذلك في مستجدات المسائل ضمن ضوابط الشرع وحدوده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى