دراسات معاصرة

نحن والهندوس

1- مقدمة
يتعرض المسلمون اليوم لأبشع صور التنكيل والإبادة في الهند، بين قتل، وهدم بيوت، وحرق محلات، وتهجير، وسحب جنسية، ومنع للحجاب في المؤسسات التعليمية، واستهزاء في وسائل الاعلام، بل وتحريض على القتل، بحجة أنهم غزاة دخيلون على الهند تارة، أو أنهم هندوس بالأصل ويجب اعادتهم لدينهم الأصلي. وعلى الرغم من انتشار هذه الأخبار حول العالم، فإن أحدا لم يحرك ساكنا لوقف هذا العدوان، إلا تصريحات إعلامية من هنا وهناك على خجل بدون أي فعل حقيقي لوقف هذا المسلسل المجنون من التطهير الديني.

فلماذا هذا العدوان من الهندوس على المسلمين، وهل هو وليد اللحظة أم له سوابق، وهل هو مرتبط بوصول حزب الشعب المتطرف للحكم، أم كان قبل ذلك، ولماذا هذا التواطؤ الغربي المريب مع الهندوس، وهل يملك المسلمون في داخل الهند وخارجه أدوات ضغط لوقف هذا العدوان؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا المقال، من خلال استعراض عقائد الهندوس، وتناقضها الصريح مع توحيد الإسلام، ثم عن تاريخ العلاقة بين المسلمين والهندوس، ما قبل وبعد الاستعمار الغربي، ثم نعرج على أهم الاعتداءات الحديثة من الهندوس على المسلمين، وأخيرا نعرض جانبا من الحضور الهندي في الخليج العربي، وإمكانية استخدامه للضغط على حكومة الهند لرفع يدها عن أخوتنا المسلين في الهند.

2- عقائد الهندوس
(موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة)
الهندوسية ويطلق عليها أيضاً البرهمية يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. إنها ديانة تضم القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادىء القانونية والتنظيمية متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله، ولكل عمل أو ظاهرة إله.

تأسست الهندوسية على يد الآريين الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وامتزجت مع ديانات سكان البلاد الأصليين.

يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
وفي القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه:
1- براهما: من حيث هو موجود.
2- فشنو: من حيث هو حافظ.
3- سيفا: من حيث هو مهلك.
فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً.

يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي وأنواع من الحيوان كالقردة ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين ولها حق الانتقال إلى أي مكان ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية.
ويعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلت كذلك في إنسان اسمه كرشنا وقد التقى فيه الإله بالإنسان أو حل اللاهوت في الناسوت.

الطبقات في المجتمع الهندوسي:
منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله (كما يعتقدون).
1- البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن، والقاضي.
2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.
3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.
4- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين ويشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة.

تظهر معتقدات الهندوس في الكارما، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود:
1- الكارما: قانون الجزاء أي أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إما في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب.
2- تناسخ الأرواح: إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.
3- من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء وتحرر من رق الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما.
4- وحدة الوجود: التجريد الفلسفي ارتقى بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة وتصير النفس هي عين القوة الخالقة.
تحرق الأجساد بعد الموت لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى وبشكل عمودي لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً.

كانت المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم. وقد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وظل هذا التقليد ساريا حتى منعه المستعمرون الانجليز في القرن التاسع عشر.

3- دخول الإسلام للهند
(د. جميل المصري: حاضر العالم الاسلامي)
بدأ دخول المسلمين للهند مبكرا في عهد عمر بن الخطاب، ودخل التجار للهند قبل الفاتحين، في حين بدأ فتح السند في عهد عثمان، وتم فتحها في عهد الوليد بن عبد الملك بقيادة محمد بن القاسم الثقفي. وكانت الولايات المفتوحة من الهند تتبع الدول الإسلامية المركزية، إلا أنه وفي حال ضعف المرز، بدأت تظهر دول مستقلة تحكم الهند، ابتداء بالدولة الغزنوية 996م في البنجاب وكشمير ودهلي ثم الدولة الغورية التي ضمت البنغال، ثم دولة المماليك، فالدولة الخلجية، والتي دخل في عهدها الكثير من السكان في الاسلام، ثم الدولة التغلقية والدولة اللودهية، وأخيرا الدولة المغولية التي تأسست على يد بابر المغولي عام 1525م. وقد قامت هذه الممالك بعمارة الهند وشق الطرق وبناء المساجد والمدارس والمشافي واهتموا بالزراعة وحفر الآبار والقنوات وأقاموا العدل بين الرعية مسلمهم وهندوسيهم، ولذلك دخل عدد كبير من أبناء البلاد في الاسلام ورضوا بعدله. وإن كان المسلمون يشكلون أقلية بالنسبة للهندوس في الهند، فقد كانوا الطبقة المتميزة التي تحكم الهند ويتبعها الجميع، وكان مسلمو الهند من السكان الأصليين الذين رضوا بالإسلام دينا، أو من المهاجرين الذين استقروا فيها من العرب والأفغان ولمغول. وقد استمر حكم المسلمين للهند لما يزيد عن ألف عام.
بدأ دخول الانجليز للهند عام 1600م كتجار وأنشؤوا شركة الهند الشرقية بامتياز حصلوا عليه من حكام الهند المغول، والذين استهانوا بالانجليز في البداية، وظنوا أن هذه المعاهدات تصب في مصلحة الهند وربطها بالتجارة العالمية. ظل الانجليز يتقدمون شيئا فشيئا بأخذ الامتيازات وإدارة الموانيء، ثم بدؤوا يتحولون الى قوة استعمارية تحمي مكتسبات شركاتهم. وأصبح لهم وجود عسكري قوي، وعندما فطن لهم حكام الهند كان الأمر قد استفحل، فوقعت بينهم معركة بلاسي عام 1757م، والتي انتصر بها الانجليز فأصبحوا يديرون معظم البلاد مباشرة، وأخذوا بتقريب الهندوس وابعاد المسلمين حتى عام 1856م حيث أصبحوا الحكام الفعليين، فثار عليهم المسلمون ولكن الثورة قمعت بوحشية، فقام الانجليز بنفي آخر السلالات المسلمة الحاكمة. وقد صودرت معظم أراضي المسلمين ولم يبق لهم سوى 5% مما كانوا يملكون من قبل، وقام الانجليز بتقريب الهندوس وتوظيفهم في الدواوين الرسمية وتدريس أبنائهم، في حين كان الإقصاء والتهميش مصير أبناء المسلمين، وقام الانجليز بحملة مكثفة في تحريض الهندوس على حكامهم المسلمين، ونسب النقائص لهم وتحريف تاريخهم، وأوجدوا شرخا بينهم لا يمكن أن يصلح، وشجع الانجليز سياسة انفصال المسلمين والهندوس، فلما كان استقلال الهند1947م كان لابد من التقسيم، حيث لا يمكن أن يتعايش الطرفان، وكان التقسيم بقيام دولة مسلمة تسمى باكستان ودولة أخرى تسمى هندوستان، ويخير الناس بالانضمام لأي منهما وفق التصويت لتقرير المصير، فانضم الشمال حيث الغالبية المسلمة لدولة باكستان، في حين بقي معظم الهند يحكمه الهندوس، وضمت حيدر آباد وكشمير قصرا للهند، حتى تفصل أراضي باكستان الى دولتين الغربية والشرقية (بنغلاديش حاليا)، وقد قامت عصابات الهندوس والسيخ بمذابح رهيبة للسكان المسلمين ليرغموهم على الهجرة للشمال وترك أراضيهم وتجاراتهم. ومن بقي منهم في الهند عومل أسوأ معاملة وضيق عليه في رزقه، وحورب في دينه. وإن كان للمسلمين تمثيل في برلمان الهند وحكوماتها، فإنهم أقلية لا قيمة لرأيهم.

وما زالت كشمير حيث الغالبية المسلمة، تعيش بظل الاحتلال الهندي، والتي صدر أكثر من قرار لمجلس الأمن بعمل استفتاء تقرير المصير لشعب الإقليم، ولكن الهند تغاضت عن ذلك وتحكم الإقليم بالحديد والنار، وكذلك اقليم آسام في أقصى شرق الهند حيث نسبة المسلمين تفوق نسبتهم في باقي الاقاليم الهندية، يتهم المسلمون بأنهم مهاجرون دخلاء وتعرضوا لأكثر من حملة قتل وترهيب وحرق للممتلكات لاجبارهم على الهجرة لبنغلاديش. لقد ظل العداء هو العلامة الكبرى بين باكستان والهند، وقامت بينهما أكثر من حرب مدمرة، وتحولتا إلى دول نووية تتربص ببعضها البعض.

4- ا عتداءات الهندوس على المسلمين
يعتبر المسلمون في الهند أقلية بالرغم من عدد السكان الكبير، حيث أن عدد السكان المسلمين في الهند تقريباً 200 مليون نسمة من إجمالي السكان وهو 1.4 مليار نسمة، بينما تشكل نسبة السكان الهندوس تقريباً 80 %، ومنذ الاستقلال عام 1947م يتعرض المسلمون لعدوان ممنهج من العصابات الهندوسية المتطرفة، وبتواطؤ من الحكومات الهندية المتعاقبة. وقد تعرض المسلمون الهنود لآلاف المجازر والتي ذهب ضحيتها الآلاف. ويعتمد الهندوس سياسة القتل والترويع وحرق المساجد وتدنيسها وحرق المحال التجارية، لترهيب المسلمين واجبارهم على الردة للهندوسية أو الهجرة لباكستان، ونورد بعض هذه الاعتداءات في التاريخ القريب:
ففي عام 1983 قتل 5000 مسلم في ولاية آسام على مرأى من قوات الأمن
وفي عام 1987 اعتقل 500 مسلم في ولاية أوتار براديش على خلفية توتر بين المسلين والهندوس، وقتلت منهم قوات الأمن 42 مسلما وألقت جثثهم في النهر
في عام 1992 هاجم المتطرفون الهندوس من حزب بهارتيا جاناتا مسجد بابري أكبر مساجد الهند وقاموا بهدمه، والمطالبة بتحويله لمعبد هندوسي
عام 2002 مذبحة غوجارات برعاية مودي الذي سيصبح رئيسا للوزراء فيما بعد وراح ضحيتها أكثر من ألف مسلم، واتُّهم مسؤولو الحكومة والشرطة بأنهم وجهوا مثيري الشغب وقدموا لهم قوائمًا بأملاك المسلمي للاعتداء عليها.
عام 2013 مذبحة مظفر ناغار ونتج عنها نزوح 50 ألف مسلم فرارا بحياتهم
2020 اعتداءات على المسلمين في العاصمة نيودلهي راح ضحيتها 46 قتيلا وتم إحراق عدة مساجد وبتواطؤ من قوات الأمن.

ازدادت اعتداءات الهندوس على المسلمين بوصول حزب بهارتيا جاناتا (الشعب) للحكم برئاسة الزعيم المتعصب مودي عام 2014، وكلما دنا استحقاق انتخابي زادت وتيرة الاعتداءات حيث يتغذى هذا الحزب على الكراهية ضد المسلمين، ومع تواطؤ غربي مع حكومة الهند التي تتذرع بمحاربة الارهاب الاسلامي، ازددات وتيرة الاعتداءات، وللتغطية على فشل حكومة مودي في مواجهة جائحة كورونا وانهيار المنظومة الطبية، ألقي اللوم على المسلمين! وفيما يلي رصد لبعض الاعتداءات الهندوسية على المسلمين منذ بداية عام 2022م
13 يناير 2022 متطرفين هندوس يدنسون مقابر اسلامية
15 يناير 2022 في مؤتمر جماهيري في شمال الهند الدعوة لقتل كل المسلمين وحماية البلاد
17 يناير 2022 مزاد علني افتراضي لبيع نساء مسلمات
4 فبراير 2022 ااعتداء مسلح على رئيس حزب مجلس اتحاد المسلمين في عموم الهند
9 فبراير 2022 قرار حظر الحجاب في المدارس
14 فبراير 2022 اجبار فتيات مسلمات على خلع الحجاب
20 فبراير 2022 مقتل شاب مسلم تحت التعذيب في مخفر للشرطة
22 فبراير 2022 أعمال شغب تستهدف أحياء المسلمين بعد مقتل شاب هندوسي
23 فبراير 2022 مقتل طالب مسلم على يد الشرطة الهندية في منزله، وكاراكتير يدعو لقتل المسلمين
20 مايو 2022 نشر كاميرات المراقبة في شوارع سريناغار في كشمير لمراقبة تحركات السكان
6 يونيو 2022 اغتيال الصحفي المسلم جنيد خان
7 يونيو 2022 تصريحات مسيئة للمسلمين للناطقة باسم الحزب الحاكم
11 يونيو 2022 مقتل مسلمين خلال الاحتجاج على التصريحات المسية للرسول واعتداء الشرطة بوحشية على المتظاهرين
12 يونيو 2022 الشرطة الهندية تعتقل المئات من المتظاهرين المسلمين المحتجين على التصريحات المسيئة للرسول
13 يونيو 2022 الشرطة الهندية تهدم منازل ناشطين مسلمين
15 يونيو 2022 الشرطة الهندية تطلق النار على المحتجين المسلمين وتنكل بهم في السجون
18 يونيو 2022 ذبح امام مسجد
19 يونيو 2022 فيديو لاعتداء وحشي للشرطة الهندية على معتقلين مسلمين
28 يونيو 2022 اعتقال صحفيين ومدافعين عن قضايا المسلمين في الهند
والجدير بالذكر أن مسلمان قاما بقتل خياط هندوسي في 29 يونيو 2022 لمشاركته في الاهانات للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تم القبض عليهما مباشرة، واعتقال من له صلة بهما، بينما لم تحرك قوات الأمن الهندية ساكنا تجاه الاعتداءات الهندوسية بحق المسلمين، بل اعتقلت من احتج منهم، ونكلت به أو هدمت منزله.
8 يوليو اعتقال الصحفي المسلم محمد زبير لأنه نشر التصريحات المسيئة للناطقة باسم الحزب الحاكم وكونه من الصحفيين الذين يتتبعون جرائم الهندوس ويوثقونها، وبدلا من اعتقال الجناة، اعتقل زبير بتهمة اثارت النعرات الطائفية. وكذلك وبالتنسيق مع موقع توتير، يغلق أي موقع ينقل اعتداءات الهندوس أو يعيد بث تصريحاتهم المسيئة للمسلمين، في حين لا يحاسب المعتدين والمسيئين.

5- الهنود في دول الخليج العربي

(تقرير الجزيرة نت 29 / 6 / 2022)
بحسب الإحصائيات، تُعَدُّ الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث التعداد السكاني بعد الصين، حيث وصل عدد سكانها إلى قرابة 1.4 مليار نسمة، ولكنها تأتي في المركز الأول عالميا من حيث أعداد المغتربين حول العالم، حيث بلغ عدد الهنود المسافرين خارج الهند نحو 17.5 مليون مغترب، بحسب تقرير الأمم المتحدة للمهاجرين الدوليين الصادر عام 2019.
نجد أن نصف الهنود المغتربين تقريبا يقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تُقدَّر أعدادهم بنحو 9-10 ملايين مقيم هندي، وهو ما يُعَدُّ أضخم تجمع للهنود خارج دولتهم حول العالم.
ووفقا لإحصاءات وزارة الخارجية الهندية، تنفرد دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها بنحو 3.5 مليون هندي، بينما 2.5 مليون هندي في السعودية، وأكثر من مليون في دولة الكويت، ونحو 780 ألف هندي في سلطنة عُمان، و760 ألفا في دولة قطر، بينما يوجد نحو 332 ألف هندي في البحرين.
بنظرة أوسع، فإن إجمالي تعداد دول الخليج بمواطنيها ومقيميها وصل إلى 58 مليون نسمة بنهاية عام 2020، يُمثِّل الهنود منهم نحو 9 ملايين، بنسبة الثلث من العمالة الأجنبية التي تُقدَّر بنحو 25-28 مليون نسمة.

مدلولات الأرقام
تتضح معاني هذه الأرقام بشكل أكبر إذا وضعناها في حيِّز المقارنة العددية بأعداد مواطني هذه الدول. فبالنظر إلى أعداد الهنود في دول الخليج، نجد أن إجمالي عددهم يساوي تقريبا تعداد مواطني دولة الإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان مجتمعة، الذين يبلغ إجمالي تعدادهم قرابة 8-9 ملايين نسمة.
في دولة الإمارات، يتجاوز عدد المقيمين الهنود (3.5 ملايين نسمة) إجمالي تعداد مواطني الدولة (2.7 مليون نسمة)، ويُمثِّلون بمفردهم 30% من سكانها بالكامل. بينما في دولة قطر، يبلغ عدد الهنود المقيمين 760 ألفا، أي ما يزيد على ضِعْف عدد المواطنين القطريين (320 ألف نسمة).
أما الكويت، فتقريبا يتساوى عدد الهنود الوافدين مع تعداد الشعب الكويتي بنحو مليون نسمة، ويتساوى عدد الهنود المقيمين في البحرين (332 ألفا) مع نصف تعداد الشعب البحريني. بينما يقترب إجمالي عدد الهنود في سلطنة عُمان من ثلث تعداد الشعب العُماني (مليونان و700 ألف عُماني).

المعابد الهندية في الخليج.
بحسب دراسة أجراها مركز “بيو” (Pew) للأبحاث عام 2010، فمع نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وصل عدد معتنقي الديانة الهندوسية المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 1.7 مليون نسمة. وذكر الإحصاء أن غالبية هؤلاء يقطنون في الإمارات بتعداد يقارب نصف مليون هندوسي، ثم السعودية بنحو 390 ألف هندوسي، ثم قطر التي يعيش فيها 240 ألف هندوسي، ثم الكويت التي تضم 230 ألفا، وفي النهاية سلطنة عُمان والبحرين بنحو 120 ألفا.
أما بالنسبة لدور العبادة، فيُعَدُّ مُجمع معبدَيْ شيفا وكريشنا مندير، الذي تأسَّس عام 1958 في مدينة دبي، يُعَدُّ واحدا من أوائل وأشهر المجمعات الهندوسية في الخليج، ويشهد كل الاحتفالات الهندوسية المعتادة، ويتسع لآلاف المُتعبدين. وفي عام 2017، أعلنت إمارة أبو ظبي تخصيص قطعة أرض لبناء أول معبد هندوسي بها، على أن يضم أيضا موقعا خاصا لحرق جثث الموتى، وهي شعيرة هندوسية شهيرة.

وفي البحرين، وبالتحديد في العاصمة المنامة، يوجد معبدان هندوسيان شهيران، أحدهما في حي الكويت، والثاني في العدلية مخصص لطائفة الكريشنا. والأمر نفسه بالنسبة لسلطنة عُمان، حيث يوجد معبدان قديمان في مسقط، معبد مخصص لكريشنا في روي، والمعبد الآخر لشيفا في المطرح، وما زال كلا المعبدين يجذب عددا كبيرا من الهندوس المقيمين في الأعياد. أما السعودية، فحتى الآن لا يُسمح رسميا ببناء دور العبادة لغير المسلمين، بما في ذلك معابد الهندوس، مع إمكانية ممارسة شعائرهم في المنازل والفيلات الخاصة.

جيوش العمالة
في دراسة بعنوان “العمالة الهندية المُهاجرة إلى دول الخليج” صدرت عام 2014 بواسطة الباحثة الهندية “نيها كوهلي” ، ونُشرت مُترجمة عبر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في الإمارات، قسَّمت الباحثة العمالة الهندية في دول الخليج إلى ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول هو العمالة غير الماهرة، وتعني بها العمالة التي تعمل في شركات البناء والبلديات والنظافة والمزارع، بما في ذلك العمالة المنزلية.

أما القسم الثاني فهو العمالة شِبه الماهرة، وتعني العمالة المهنية التي تشمل الأطباء والمهندسين والمحاسبين والممرضين والمتخصصين في الوظائف الإدارية في القطاع العام والخاص. وأخيرا يأتي القسم الثالث وهم رجال الأعمال والمستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون ويساهمون في استثمارات متوسطة أو كبيرة الحجم في مختلف دول الخليج.

وبحسب إحصاءات البحث، فإن الفئة الأولى والثانية تُمثِّلان معظم الجالية الهندية في دول الخليج، حيث تصل أعداد العمالة غير الماهرة والعمالة شبه الماهرة إلى نحو 70% من إجمالي الهنود الموجودين في المنطقة، مع زيادة واضحة لفئة العمالة شِبه الماهرة مقارنة بالعقود الماضية.

هذا العدد الكبير من العمال الهنود في الخليج في مختلف التخصصات يُولِّد تحويلات مالية سنوية من المغتربين إلى أسرهم في الهند بنحو 89 مليار دولار، وهو ما يُمثِّل 65% من إجمالي تحويلات المغتربين الهنود حول العالم، ويجعل الهند الأولى عالميا في تلقي تحويلات العاملين من الخارج، متقدمة على كلٍّ من الصين والمكسيك.

مليارديرات الهنود في الخليج
بحسب التقرير السنوي لفوربس الذي صدر عام 2018، بلغ إجمالي ثروات أقوى 100 رجل أعمال هندي في الخليج نحو 26.5 مليار دولار.
على قمة أقوى المليارديرات ورجال الأعمال الهنود في الخليج، يستحوذ ثلاثة رجال أعمال تتركز أعمالهم في دولة الإمارات على ثروات تُقدَّر بـ 12 مليار دولار، أي ما يعادل نصف إجمالي ثروات رجال الأعمال الهنود في المنطقة. على رأس هؤلاء يتربع رجل الأعمال الهندي يوسف علي، المدير التنفيذي لمجموعة “لولو” التجارية العملاقة المتخصصة في قطاع التجزئة، الذي تُقدَّر ثروته ما بين 4-5 مليارات دولار.

أما رجل الأعمال الهندي “بي آر شيتي، فقد بدأ استثماراته في الإمارات في السبعينيات، وتحوَّل على مدار العقود إلى واحد من أكبر رجال الأعمال المستثمرين في قطاع الخدمات الصحية والدوائية في الخليج، وتُقدَّر ثروته بنحو 4 مليارات دولار، قبل أن تتعرَّض إمبراطوريته لضربة كبيرة في العامين الأخيرين إثر التورط في قضية احتيال كبيرة اضطرته للفرار من البلاد. ثم يأتي رجل الأعمال رافي بيلاي بوصفه واحدا من أقوى رجال الأعمال في الخليج، وهو ابن مهاجر هندي إلى السعودية، انتقل منها إلى الإمارات لتأسيس أولى شركاته في مجال التشييد والبناء بنهاية السبعينيات، ثم تضخمت بمرور الوقت لتشمل أكثر من 20 شركة، وتُقدَّر ثروة رافي بيلاي حاليا بنحو 4 مليارات دولار.

تجارة الهند مع الخليج
بحسب موقع إنديا توداي تُقدَّر حجم التجارة الثنائية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي بنحو 154 مليار دولار، مع عجز في الميزان التجاري الثنائي قيمته 67 مليار دولار، سببه اعتماد الهند على واردات النفط الخليجية. و بلغت تجارة الإمارات نحو 7% من إجمالي التجارة الهندية العالمية، بعد أميركا والصين، بإجمالي 60 مليار دولار في عام 2021.
ووفقا لبيانات اتحاد الصناعات الهندية، بلغت إجمالي الاستثمارات الهندية في الإمارات نحو 55 مليار دولار، ووصل عدد الشركات الهندية العاملة في السوق الإماراتي إلى أكثر من 45 ألف شركة، لتصبح الإمارات هي أكبر دولة مستضيفة للعمالة والاستثمارات الهندية على حدٍّ سواء في المنطقة.

ومع توقيع الهند خلال العام الجاري اتفاقية للتجارة الحرة مع دولة الإمارات، أعلنت الإمارات اختيارها للهند من بين سبع دول حددتها بوصفها شريكا اقتصاديا جوهريا لها في المستقبل، وأعلن وزير التجارة والصناعة الهندي أن دولة الإمارات تُخطِّط لضخ 100 مليار دولار استثمارات في الهند في مختلف المجالات، منها التصنيع والبنية التحتية.

وتأتي السعودية بوصفها ثاني شريك تجاري للهند في الخليج، ورابع أكبر شريك عالمي لها، وثامن أكبر سوق لمنتجاتها، حيث بلغ حجم التجارة بين الدولتين نحو 40 مليار دولار، من بينها 6 مليارات دولار صادرات هندية إلى المملكة. وذكرت السعودية على لسان ولي العهد محمد بن سلمان عام 2019 أن المملكة ستضخ استثمارات في الهند بقيمة 100 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة.

أما قطر فتَعتبر الهند بدورها شريكا رئيسيا، حيث إن الدوحة هي المورد الأكبر للغاز الطبيعي المُسال إلى الهند، إلى جانب صادرات أخرى رئيسية على رأسها النفط والكيماويات والبلاستيك والألومنيوم، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 10.5 مليارات دولار. ويعمل في دولة قطر نحو 6 آلاف شركة هندية كبيرة ومتوسطة وصغيرة، تتركز أعمالها في مجالات مختلفة تشمل البنية التحتية وتقنية المعلومات والطاقة والبناء والكهرباء.

بالنسبة للكويت، في عام 2019 وصل حجم التبادل التجاري بينها وبين الهند إلى نحو 11 مليار دولار، ورغم أن هذا الرقم انخفض انخفاضا حادا لاحقا بسبب أزمة كورونا، فإن العلاقات التجارية ما زالت تسير بالقوة نفسها. ففي عام 2021، وصل حجم الاستثمارات الكويتية في الهند إلى نحو 5.5 مليارات دولار، ومن المتوقع أن ترتفع لتصل إلى 10 مليارات دولار خلال الأعوام المقبلة. ووفق تصريحات للسفير الهندي في الكويت، نقلها موقع “الخليج أونلاين”، فإن الكويت يعمل فيها أكثر من 100 شركة هندية كبرى في مجالات متنوعة.

وفي سلطنة عُمان، بلغ حجم التبادل التجاري مع الهند 5.3 مليارات دولار، تُشكِّل الصادرات الهندية إلى عُمان 33% منها، مع وجود أكثر من 4700 شركة هندية تستثمر في السوق العُماني. أما البحرين، فبلغ حجم تجارتها البينية مع الهند 1.2 مليار دولار، وتُقدَّر حجم الاستثمارات الهندية في السوق البحريني بنحو 1.6 مليار دولار في قطاعات السياحة والمقاولات والتكنولوجيا، مع وجود نحو 3200 شركة هندية في المملكة.

مستقبل الهنود في الخليج
خلال العقدين الماضيين، مرَّ الوجود الهندي في الخليج بعدة مراحل مفصلية، ربما كان أبرزها إعلان الحكومة الهندية عام 2015 عن تشديد إجراءات إرسال العمالة الهندية إلى الخارج، التي تُمثِّل منطقة الخليج نصيب الأسد فيها، وذلك بداعي حماية رعاياها في الخارج. تلخَّصت الإجراءات الهندية في ضرورة وضع حدٍّ أدنى للأجور للعمال الهنود العاملين في القطاعات كافة، خصوصا القطاعات الحرفية مثل القيادة والبناء والتمريض وعمالة المنازل والنجارة وغيرها.

ورغم أن هذه الإجراءات قد قيَّدت أعداد الهنود الجدد المسافرين إلى الخليج نسبيا، فإن التحويلات المالية إلى الهند لم تتناقص بعد هذا الإجراء، بل ارتفعت لتصل إلى نحو 80 مليار دولار عام 2018، مع زيادة أعداد الهنود الذين استطاعوا تسلُّق السلم الاجتماعي أثناء فترة إقامتهم في الخليج.

كانت الأزمة الكبرى هي جائحة كورونا، التي اعتُبرت من أسوأ الأزمات التي مرَّت على العمالة الهندية في الخليج، حيث تقول التقارير إن هناك نحو 1.1 مليون هندي يقيمون في الخليج عادوا إلى ديارهم، بعد عشرة شهور من انطلاق الجائحة في الربع الأول من عام 2020، مما اعتُبر أكبر هجرة عكسية شهدتها الهند خلال الخمسين عاما الماضية. ومع ذلك، ومع عودة الحياة الطبيعية، ورغم أزمة التضخم الحالية، فإن دول الخليج تشهد عودة لأعداد كبيرة من العُمال الهنود مرة أخرى.

أما من ناحية المال والاستثمار، فبحسب تقرير “غلوبال إنديان بالس الصادر في نهاية عام 2021، فإن 66% من الهنود المقيمين في دولة الإمارات يخططون لزيادة استثماراتهم فيها، وجاء قطاع العقارات في المرتبة الأولى لاهتمامات الاستثمار بالنسبة للجالية الهندية، يليها الاستثمار في الأسهم والأوراق المالية، ثم قطاعات السياحة والتقنية.

6- خاتمة
إن العداء الهندوسي للمسلمين غير مستغرب، فقد حدثنا الله عنه فقال: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، وقد ازدادت هذه العداوة بتحريض من الانجليز، الذين أرادوا أن يستقر لهم الحال في الهند من خلال إثارة العداوات بين المسلمين والهندوس، وكان ميلهم للهندوس بالرغم من وثنيتهم، كما أخبر تعالى عن أسلافهم فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، وكما جاء في كتاب صراع الحضارات لصموئيل هنتنجتون فإن العدو الحقيقي للحضارة الغربية هو الحضارة الإسلامية وليس الهندوسية، فليس مستغربا إذا التواطؤ الغربي والسكوت المريب عن جرائم الهندوس بحق المسلمين في الهند. وواجبنا تجاه قضية المسلمون في الهند أن ننشر ما يتعرضون له من اعتداءات وحشية لتوعية العالم الإسلامي بآلام المسلمين هناك والمشاركة ذلك في المحافل الدولية ليتم إحراج الحكومة الهندية للتوجه نحو تحسين أوضاع المسلمين هناك. ويجب التوجه نحو القيام بحملات لمقاطعة المنتجات الهندية والضغط على السفارات الهندية في كل مكان للمساهمة في منع التحريض والعنف الذي يتعرض له المسلمون. وذكذلك استغلال النفوذ الخليجي وحاجة الهند له للضغط على الحكومة الهندية، بدلا من زيادة الاستثمار معها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى