ولكن الإيغور لا بواكي لهم…
يعيش إخواننا الإيغور اليوم أحوالا صعبة في ظل الحكم الصيني الذي يحرمهم أبسط حقوقهم، ويسعى لإنهاء عرقيتهم وخصوصيتهم بكل الوسائل. لقد كان هذا حالهم لعقود منذ استيلاء الشيوعيون على مقاليد الحكم في الصين. ولكن الهجمة ازدادت هذه الأيام وتكشف بعض خيوطها، وبالذات مع وجود وسائط التواصل التي كشفت بعض معاناتهم، وكذلك بعض المنظمات الحقوقية التي تتابع شأنهم، وبالذات الغربية منها، مدفوعة بمناكفات سياسية للصين في أغلب الأحيان، في حين تغيب قضيتهم عن أجندات الدول الإسلامية والعربية، التي تتسابق لإرضاء الصين طمعا في استثمارات أو مناكفة لدول أخرى.
فمن هم الإيغور، وما هي الظروف التي يعيشونها الآن، ولماذا تتسلط عليهم الصين. وما واجبنا تجاههم، هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
الإيغور من الشعوب التركية، وتعرف بلادهم تاريخيا بتركستان الشرقية (أي بلاد الترك). وصلهم الإسلام في القرن الأول الهجري على يد القائد قتيبة بن مسلم الذي فتح مدينة كاشغر عام 96 هـ، وبعد مراسلات مع ملك الصين، قبل بدفع الجزية للمسلمين، والسماح للتجار والدعاة بالدخول لبلاده. وقد أقام المسلمون مراكز حضرية وتجارية في شرق الصين وغربها وتمتعوا برعاية أباطرة الصين على مدى مئات السنين، وتقلد بعضهم أرفع المناصب الرسمية. وظل هذا حالهم حتى وصول البرتغاليون إلى الصين، والذين سعوا للإيقاع بين المسلمين والصينيين، في عهد الأسرة المنشورية الحاكمة. والتي اضطهدت المسلمين وضيقت عليهم، واستغلت تفكك العالم الإسلامي، وعزل مشرقه عن مغربه بعازل الأمبراطورية الروسية والدولة الصفوية في إيران، والبرتغاليون في المحيط الهندي، فغزت الصين تركستان في القرن الثامن عشر واحتلت شرقها، في حين سقط غربها بيد الروس. وقد قاوم المسلمون هذا الغزو وقاموا بعدة ثورات كتب لبعضها النجاح لبعض الوقت. وفي عام 1911 سقطت الامبراطورية الصينية، وقامت على أنقاضها دولة وطنية اعترفت للمسلمين ببعض الحقوق والحريات. ولكن الوضع تغير بعد وصول الشيوعيون بقيادة ماوتسي تونغ لحكم الصين عام 1949 والذي اضطهد المسلمين وأغلق مساجدهم ومراكزهم ولاحق علماءهم وقادتهم.
أصبحت التركسنان الشرقية تعرف باسم شينجيانغ والتي تعني “الحدود الجديدة” باللغة الصينية، وغيرت أسماء المدن بأسماء صينية، ومنع تعليم العربية واللغات المحلية، وفرضت لغة الصين الرسمية عليهم. ومنطقة شينجيانغ غنية بالموارد الطبيعية، وكان اقتصادها على مر التاريخ يتمحور حول الزراعة والتجارة. وكانت بلداتها بمثابة محطات توقف رئيسية على طول طريق الحرير الشهير. وتختزن طبيعة المنطقة على ثلث المجموع الكلي لخامات الفحم والنفط والغاز الطبيعي في الصين، كما تتميز المنطقة بصناعاتها القطنية، إذ تشكل ما يقارب 20% من الإنتاج العالمي للقطن. وتحدها 8 دول من دول آسيا الوسطى، وهي غنية جدا بمواردها الطبيعية التي تقدربـ 60 % من مجموع الثروة الطبيعية في الصين.
يبلغ عدد المسلمين في الصين نحو 120 مليون، في حين يبلغ عدد الإيغور11 مليون شخص ويشكلون حالياً نحو 45 في المئة من سكان إقليم شينجيانغ في حين ارتفعت نسبة الصينيين من عرقية الهان نحو 40 في المئة والذين جرى تسكينهم في هذا الإقليم على حساب سكانه الأصليين
على مدى سنوات عديدة، واجهت طائفة الإيغور تمييزًا شاملا من قِبل الحكومة الشيوعية التي فرضت قيودًا واسعة النطاق على قدرتهم على ممارسة ثقافتهم ودينهم. كما قدمت الحكومة حوافز للملايين من طائفة الهان الصينية (أكبر طائفة عرقية في الصين) للانتقال إلى إقليم شينجيانغ لتخفيف الكثافة السكانية للأغلبية الإيغورية، وبالمقابل قامت بتهجير النساء الإيغوريات قصرا للعمل في مناطق أخرى من الصين، أملا في تزويجهن برجال من الهان. مع العمل الدؤوب في تعقيم النساء في الإقليم والإجهاض القسري، بهدف تقليل عدد السكان الأصليين. وتعمل السلطات على إزالة كل مظاهر الإسلام في مناطق الإيغور، بما فيها تهديم مساجدهم وإخفاء كل المظاهر الدالة على ثقافتهم وخصوصيتهم القومية. ويتحدث شهود عن عملية تغيير كامل في المناهج الدراسية تفضي إلى حذف تاريخ الإيغور منها، وبشكل خاص الإشارة إلى دولتهم القديمة التي تأسست تحت اسم “تركستان الشرقية”. ومع أن الحكومة الصينية رصدت استثمارات ضخمة في شينجيانغ في مشاريع الصناعة والطاقة، يشكو الإيغور من أن عرقية الهان يأخذون وظائفهم وأن السلطات تصادر أراضيهم ومزارعهم من أجل مشروعات التنمية.
وأدى التمييز الاجتماعي والحكومي الواسع الانتشار ضد الإيغور وغيرهم من أفراد الأقليات المسلمة إلى احتجاجات ضد الحكم الصيني وحالات العنف المتفرقة. ففي يوليو/تموز 2009 وأثناء انعقاد دورة الألعاب الأولمبية خرجت تظاهرات للإيغور، طالبوا فيها بالمساواة والكف عن تحجيم وجودهم ومسخ هويتهم الدينية والعرقية، وسرعان ما تحولت التظاهرات إلى صراع مفتوح في الشوارع بين الهان وبينهم راح ضحيتها 97 شخصا معظمهم من الهان، مما أدى إلى إغلاق المساجد وطلب من المسلمين الصلاة في مساكنهم.
ويستغل الحزب الحاكم حوادث 2014 والتفجيرات التي حصلت في منطقة كونمينغ ذريعة لتوجيه تهمة ارتكابها إلى إسلاميين متشددين، وأن مناطق الإيغور صارت “الخط الأمامي للإرهاب”، وقد وفرت هذه التهمة لأجهزة الأمن والجيش مجالا أكبر للتدخل في حياة الإيغوريين ومراقبة تصرفاتهم.وفي الآونة الأخيرة، وباسم مكافحة ما تصفه الحكومة الصينية بـ “التطرف الإسلامي” و”الانفصال”، قامت الصين باحتجاز ما لا يقل عن مليون شخص وقيل يصل عددهم إلى أكثر من مليونين من الإيغور وأعضاء الأقليات الأخرى المسلمة في معسكرات اعتقال منذ نيسان/إبريل 2017. ومن علامات “التطرف المحتمل” التي قد تؤدي إلى الاحتجاز اطلاق اللحى “غير المشذبة”، والسفر إلى الخارج إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وحيازة نسخ من القرآن غير مرخص بها، ورفض احتساء الكحول أو تناول لحم الخنزير. وتدير أجهزة الأمن الصينية مراكزالاعتقال، وفي زنزاناتها تقوم بتعذيبهم واغتصاب نسائهم، وأن كثيرا منهم كانوا يُجبَرون على العمل بالسخرة في مصانع قريبة من معسكرات الاعتقال، وتكشف شهادات الضحايا وما يتسرب للصحفيين من معلومات من الداخل أن العقوبات الموجهة ضدهم تكتسب طابعا جماعيا، وأنها ليست محصورة بالمتشددين الدينيين كما تدعي الجهات الرسمية.
وأفادت تقارير بأن السلطات الصينية أمرت الإيغور بتسليم جميع المصاحف وسجّادات الصلاة أوغيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون “عقوبة”، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية عن مصادر إيغورية بالمنفى عام 2017. وضمن تحقيق لبي بي سي البريطانية (نقلا عن وثائق مسربة من الحكومة الصينية جرى الحصول عليها في كم مهول من الوثائق والبيانات والمعلومات بعد اختراق خوادم الحواسيب العائدة للشرطة الصينية، وهي تضم أيضا تفاصيل سياسة قتل أولئك المحتجزين الذين يحاولون الهرب من تلك المعسكرات): حكم على أحدهم بالسجن لعشر سنوات بتهم تتعلق بالإرهاب، لأنه لا يتناول الكحول ولا يدخن. ثم سجنت والدته وهي واحدة من آلاف وضعوا في دائرة الشكوك نتيجة “جرائم” ارتكبها أقرباء لهم. وسجن رجل لعشر سنوات في عام 2017 “لدراسته الفقه الإسلامي مع جدته” لبضعة أيام في عام 2010. وتظهر الوثائق أن عدة مئات من الإيغور استهدفوا للطرق التي استخدموا بها هواتفهم المحمولة – وخصوصا لاستماعهم إلى “محاضرات دينية غير مرخصة قانونيا” أو لتنصيبهم تطبيقات مشفرة في أجهزتهم. وعوقب آخرون بالسجن لمدد قد تصل إلى عشر سنوات لعدم استخدامهم هواتفهم بشكل كاف، وفي أكثر من 100 حالة، سجّل “استنفد الهاتف الرصيد” كدليل على أن المستخدم كان يحاول التهرب من الرقابة الدائمة المفروضة على الاتصالات الهاتفية الرقمية. وذكر جدول البيانات أن طورسون قادر كان يدرس التعاليم الإسلامية ويلقي المواعظ في ثمانينات القرن الماضي، ولكن، وفي السنوات الأخيرة، ارتكب مخالفة “إطلاق لحيته تحت تأثير التطرف الديني.” عقابا له على هذه “الجريمة”، حكم على طورسون البالغ من العمر 58 عاما بالسجن لـ 16 سنة و11 شهرا. وأرسل طورسون ميميتيمين وزوجته أشيغول طورغون إلى أحد مراكز الاحتجاز بعد أن اتهما “بالاستماع إلى تسجيل لمحاضرة غير قانونية” من خلال هاتف محمول عائد لشخص آخر منذ ست سنوات خلت. أما أبناءهما فقد نقلوا إلى واحدة من المدارس التي تشكل شبكة من المدارس الداخلية بنتها الصين في شينجيانغ بالتوازي مع بناء المعسكرات.
ويبلغ عدد هذه المعسكرات حالياً 380 معسكراً وهو ما يزيد بنسبة 40 في المئة عن التقديرات السابقة ولا يزال العمل جار في 14 معسكر اضافي.
وقالت مفوضية حقوق الإنسان عام 2018 إن السلطات الصينية ألقت القبض على كل من له أقارب في 26 دولة حول العالم وكل من اتصل بشخص في الخارج عبر تطبيق واتسآب.
وتحدث آخر التقاير عن إجبار السلطات الصينية نساء الإيغور على تناول حبوب منع الحمل وإخضاعهن لعمليات تعقيم قسرية لحرمانهن من الإنجاب نهائياً.
وكان تحقيق قامت به بي بي سي عام 2019 قد أظهر أن السلطات الصينية تقوم بفصل الأبناء عن أسرهم بعد وضع الأباء والأمهات في هذه المعسكرات.
وقال مسؤول صيني لبي بي سي إن السلطات تقوم بوضع الأطفال في مدارس داخلية عند وجود الوالدين في هذه المعسكرات.
لكن الدكتور ادريان زنز الذي أوكلت إليه بي بي سي مهمة القيام بهذا التحقيق قد أشار إلى أن هذه المدارس تمثل “البيئة المثالية لمحو الثقافة الأصلية لهذا المجتمع”. وأضاف أن هذه المدارس تهدف إلى “تنشئة جيل من الإيغور منقطع تماماً عن الثقافة والعادات والتقاليد والديانة واللغة الأصلية لهذه الأقلية”.
أما الإيغور الذين ليسوا في المخيمات فيخضعون لإحدى أكثر الدول البوليسية تغلغلا في الحياة العامة على وجه الأرض، إذ ينتشر ضباط الشرطة والعسكريون بشكل كبير في المدن والبلدات. وتوجد كاميرات المراقبة الأمنية في كل ركن وناصية، ويُطلب من الإيغور تثبيت التطبيقات الإلكترونية على هواتفهم والتي تسمح للحكومة بمراقبة أنشطتهم. كما يضطرالإيغور لإعطاء عينات من الحمض النووي وغيرها من البيانات المتعلقة بالقياسات الحيوية (البيانات البيومترية) إلى قواعد البيانات الحكومية.
قال إركين صديق الناشط الإيغوري والعالم بوكالة ناسا ورئيس مؤسسة مشاريع الإيغورفي لقاء خاص مع برنامج (المسائية) على قناة الجزيرة مباشر، أن الرقم الذي تضمنه تقرير مفوضية حقوق الإنسان، والذي أقر بوجود مليون معتقل إيغوري في معسكرات الاعتقال، بعيد كل البعد عن الحقيقة، مؤكدًا أن هناك ملايين الأشخاص الذين تم اعتقالهم أو تعرضهم للاختفاء القسري، وأن الانتهاكات التي تم الكشف عنها ترقى لجرائم ضد الإنسانية.
وتابع قائلًا “إن جميع الأشخاص الموجودين في مراكز الاعتقال، إما أنهم يخضعون للهندسة الاجتماعية لمحو هويتهم وذاكرتهم الإسلامية، أو أنهم يخضعون للموت البطيء في الزنازين الانفرادية. وقال إن الدول الغربية عمومًا ما زالت تلعب بورقة أقلية الإيغور للضغط أكثر على الصين لتحقيق مصالح شخصية،. مضيفًا أن هذه الضغوطات لم ترق بعد لتجعل من قضية شعب الإيغور المسلم قضية دولية.
واتهمت منظمات حقوقية وناشطون السلطات الصينية بقتل العديد من مسلمي الأيغور خلال جائحة كورونا، بعد أن أغلقت عليهم منازلهم دون أكل أو دواء بدعوى تدابير الحد من انتشار الفيروس. وتحدث صديق عن نقل الصينيين إلى فنادق مخصصة للحجر الصحي في ظروف ملائمة، فيما يجري احتجاز 700 شخص من الإيغور في مكان “يشبه الحفرة”. وعبّر رئيس المؤسسة عن قلقه من استخدام الأيغور الذين يجري احتجازهم كتجارب للأسلحة البيولوجية الطبية وتجارب التحكم في الدماغ.
ونشرت رئيسة مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشليه بعد زيارة لها للصين في مايو 2022 تقريرًا عن الوضع في إقليم شينجيانغ الصيني يتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتُكِبت ضد أقلية الإيغور المسلمة. وأشار التقريرُ إلى اتهامات عن التعذيب والعنف الجنسي في إقليم شينجيانغ. ودعا التقريرُ الأمميُّ إلى اهتمام دولي بالوضع في شينجيانغ، والتعاملِ بشكل عاجل مع “الاتهامات الموثوق بها”، وحذَّرَ من وقوع جرائمَ محتملةٍ ضد الإنسانية في الإقليم. وأضاف أن “نطاقَ الاعتقال التعسفي والتمييزي لأفراد من الإيغور وغيرها من الجماعات ذات الغالبية المسلمة، قد يرقَى إلى مستوى الجرائم الدولية، وبالتحديد الجرائم ضد الإنسانية”.
وعند عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، صوت المجلس ضدّ إجراء نقاش حول الانتهاكات التي تُتهم الصين بارتكابها في منطقة شينجيانغ، وبعد ضغوط كثيفة من جانب بكين، صوتت الدول الـ47 الأعضاء في المجلس في جنيف بأغلبية 19 مقابل 17 ضدّ إجراء مناقشة، مع امتناع 11 دولة عن التصويت.
الدول التي صوّتت ضدّ إجراء مناقشة هي بوليفيا والكاميرون والصين وكوبا وإريتريا والغابون وإندونيسيا وساحل العاج وكازاخستان وموريتانيا وناميبيا ونيبال وباكستان وقطر والسنغال والسودان والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان وفنزويلا.
أما الدول التي امتنعت عن التصويت فهي الأرجنتين وأرمينيا وبنين والبرازيل وغامبيا وليبيا والهند وليبيا وماليزيا والمكسيك وأوكرانيا.
وقال المدير العام لـ”الخدمة الدولية لحقوق الإنسان” فيل لينش إنه كان “من المخزي” أنّ “الدول الإسلامية … فشلت بشكل كبير في دعم نقاشات في الأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الأويغور”.
وكان تبرير بعض الدول المسلمة التي صوتت ضد القرار بأن المناقشة “لن تسفر عن تقدّم ذي مغزى”، ويقول مراقبون إنّ الدول الإفريقية، حيث تعدّ الصين الدائن الرئيسي بعد إنشائها بنى تحتية ضخمة وغيرها من الاستثمارات، واجهت ضغوطاً شديدة.
إن أقل واجب تجاه الإيغور هو نشر قضيتهم في وسائل الإعلام والمنظمات الدولية وفضح جرائم الحكومة الصينية بحقهم، والضغط على الصين من قبل الدول الإسلامية لرفع القيود عن الإيغور وتغليب مصلحة الناس على المنافع الإقتصادية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم.
روابط للاستزادة
